القاهرة | مع التئام الجلسة الأولى لمجلس الشعب المصري وانتخاب مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» رئيساً له، أعلنت الحكومة المصرية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم نقل سلطاته التشريعية إلى مجلس الشعب الجديد. وجاء في بيان للحكومة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، أن «المشير حسين طنطاوي يعلن في رسالة لمجلس الشعب تسليم سلطة التشريع والرقابة للمجلس». وكان الأمين العام لحزب «الحرية والعدالة» المصري، محمد سعد الكتاتني، قد فاز برئاسة أول برلمان بعد ثورة يناير، بـ 399 صوتاً من أصل 503 أصوات، هم أعضاء المجلس التشريعي، الذي يحتل الإخوان غالبية مقاعده. واستقبل نواب الإخوان الانتخاب بالتصفيق، وحاول أحد الأعضاء الهتاف بـ«الله أكبر ولله الحمد»، الهتاف الأشهر لجماعة الإخوان المسلمين، فمنعه باقي الأعضاء، بمن فيهم أعضاء الإخوان من ذلك.
ويتولى الكتاتني (59 عاماً) منصب الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي فاز بنسبة 47 في المئة من مقاعد أول مجلس منبثق من انتخابات حرة تشهدها مصر منذ الثورة.
رئيس المجلس الجديد، بدأ خطابه بالتشديد على أن «الثورة مستمرة حتى تستكمل أهدافها ونقتص لدماء الشهداء بمحاكمات عادلة وسريعة وفعالة»، مضيفاً أن «مصر فقدت الكثير من رجالها من أجل الحياة والكرامة والعدالة الاجتماعية، والاستقرار والتنمية، لذا نعلن أننا لن نخون دماء شهدائهم أبداً».
ووعد الكتاتني باقتلاع الفساد من جذوره، وبناء دولة القانون، وإصلاح التعليم وتوفير الرعاية الصحية، وتوفير الحياة الكريمة للمصريين، لافتاً إلى أن هذا لن يحدث إلا بالتوافق والتكامل بين القوى السياسية المختلفة داخل المجلس. وقال إن «القواسم المشتركة بيننا أكثر من نقاط اختلافنا». واكد أن «مصر تمر بمرحلة تاريخية وتتمثل في العبور من تلك الحقبة المظلمة التي مرت بها من خلال نظام فاسد، فلا بد من أن نرفع المصلحة العليا للوطن وتحقيق مصالح المواطنين، وذلك من خلال أجواء ديموقراطية حقيقية». وأشار إلى أن نواب مجلس الشعب سيتعاونون مع مجلس الشورى لاختيار لجنة لوضع دستور يعبّر عن جميع المصريين.
وبدأت جلسة انتخاب أول رئيس للمجلس بعد الثورة، بحالة من الفوضى، استمرت لنصف ساعة تقريباً، بعد طلب أحد المرشحين لمنصب رئيس المجلس، عصام سلطان، إتاحة الفرصة للمرشحين للتعريف بأسباب رغبتهم في الترشح لهذا المنصب، وهو ما رفضه نواب جماعة الإخوان المسلمين معتمدين على الغالبية داخل البرلمان، وبدعوى أن اللائحة الداخلية للمجلس لا تنص على هذا الإجراء. الفوضى سيطرت على القاعة وتعالت الأصوات الرافضة والمؤيدة للاقتراح، وتدخل عدد من النواب المستقلين لتهدئة الأجواء.
في المقابل، حاول عدد من نواب «الإخوان» تهدئة هيئتهم البرلمانية، التي ظلت تردد أثناء كلمة سلطان، «اسكت... اقعد»، بينما صرخ نائب آخر في وجه أعضاء الإخوان «أنتم الحزب الوطني الجديد».
جلسة يوم أمس بدأت بالوقوف دقيقة صمت تحية لأرواح شهداء الثورة، وتحية للمصابين. وقال أكبر الأعضاء سناً، الذي ترأس الجلسة حسب اللائحة الداخلية للمجلس، إن «دماء الشهداء هي التي صنعت هذا اليوم وسطّرت بدمائهم الزكية شهادة ميلاد لحرية كل المصريين وكرامتهم، وكذا كل الشكر والتقدير والرعاية والإجلال لمصابي الثورة الذين خاطروا بأنفسهم من أجل كرامة مصر».
بدورهم، النواب الجدد أدوا اليمين الدستورية أمام رئيس الجلسة، وتعهدوا الحفاظ على النظام الجمهوري، واحترام الدستور، رغم أن أولى مهام البرلمان الجديد هي إلغاء الدستور القائم وإعداد دستور جديد للبلاد.
وفي السياق، أدخل عدد من النواب المنتمين إلى حزب «الأصالة والبناء والتنمية» الإسلامي (سلفي)، تعديلاً على اليمين الدستورية. وأضافوا في نهايته «بما لا يخالف شرع الله»، ما أثار جدلاً داخل الجلسة، إلا أنهم أصروا على موقفهم. وهو ما رد عليه شباب الثورة الذين نجحوا في الانتخابات، بأن أضافوا على اليمين بأن «يعملوا على استكمال مطالب الثورة واحترام دم الشهداء».
وأثناء انعقاد الجلسة، وزّع الناشط السياسي، عضو البرلمان، زياد العليمي، أوشحة على الأعضاء، مكتوباً عليها «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، بينما توشّح النائب مصطفى النجار، بوشاح كتب عليه: «لن نضيّع دم الشهداء هدراً».
الأعضاء الشباب، وخاصة المرتبطين بالقوى الثورية، بدأوا نشاطهم مبكراً، حيث وزعوا مذكرة على أعضاء المجلس تطالبهم بتوقيع طلب لرئيس المجلس المنتخب، تأليف أربع لجان لتقصي الحقائق، في أحداث ثورة 25 يناير، وماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء. وقال النائب مصطفى النجار إن المذكرة تطالب أيضاً بالعمل على تحقيق مطالب شهداء ثورة 25 يناير ومصابيها، والمحاسبة القانونية للرئيس السابق وأعوانه ورموز نظامه، ومحاسبة جميع المسؤولين عن قتل مواطنين مصريين وإصابتهم وانتهاك حقوقهم بعد تنحي مبارك، والعمل على إعداد جدول زمني لاستكمال نقل السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة لرئيس منتخب، وإلغاء حالة الطوارئ، ووقف محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
هذه المطالب هي نفسها التي رفعها متظاهرون تجمعوا خارج البرلمان من أجل «مطالبة نواب البرلمان الجدد بالتمسك بمطالب الثورة»، وهتفوا «القصاص... القصاص اقتلوا ولادنا بالرصاص». وأرتدى عدد من المتظاهرين أقنعة لصور الشهداء وهتفوا: «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم». وطالب المحتجون أعضاء البرلمان بالعمل على نقل السلطة من العسكر إلى المدنيين، وهتفوا: «قول ما تخفش... السلطة لازم تتسلم».