نهر البارد | الشيطان الذي في التفاصيل؟ كان هنا، وجدته في كلام السكان حين لم يصدّقوا أن المخيّم سيعاد إعماره، وجدته في ما سمّاه بعض الشباب «منطق الشحادة» الذي خلقته مؤسسات المجتمع المدني والمساعدات الأوروبية، كما وجدته في التمييع، عبر تزييف الأولويات، في ظل سيطرة أمنية قاتلة للجيش تسعى، وتنجح حتى الآن، في إلغاء دور المخيّم في المنطقة كسوق. المخيّم يموت، وهناك من يشتكي من أن أدراج خزانة المطبخ لا تتماشى مع لون البويا! وبين كلّ هذه التفاصيل، لا ينفكّ المخيّم ينظر إلينا بدلع ويشدّنا إليه بغموضه.يظن البعض أن لسكّان المخيّمات اهتمامات خاصة، محصورة بكسب المال وترميم البيوت وإطعام الأفواه. لكن الحكايا والعيون تسرد انتماءً وحبّاً وتعلّقاً بالمكان. المخيّم أكثر من المساحة بين المبنى والمبنى. قصيدة تعود للبال وأنا أرتجف في برد الشمال: مطر مطر مطر/وفي العراق جوع/وينثر الغلال فيه موسم الحصاد/لتشبع الغربان والجراد/ وتطحن الشوّان والحجر/رحى تدور في الحقول حولها بشر». وفي البارد جوع، برد ومخيم كبير فارغ من أهله وحركته وذكرياته. أدور حول مخيّم هو مدينة صغيرة، يبدو وكأنه كان شيئاً ما ولم يعد يعرف ما هو. فأنا لم أر نهر البارد قبل حرب الجيش عليه، بل عرفته مرّة بعدما قرّرت طائرات الجيش اللبناني دكّ حياة منطقة بكاملها، ثم رأيته اليوم. واليوم هو بعد نحو 5 سنوات من التدمير الممنهج. والمخيم ما زال ميتاً.
الثامنة مساءً وبرد الشمال قارس. لم يسمح لي العسكري على الحاجز بأن أدخل رغم كلّ البطاقات التي قدّمتها. أنا لبنانية لكنني نسيت هويتي في بيروت، معي بطاقة الجامعة والنقابة. ممنوع. «يا أستاذ، يعني هلّق بدّي إرجع ع بيروت بالفان بآخر الليل، أو بدّي نام عالطريق». ممنوع. طيب ممنوع؟ دخلت عبر الحاجز الثاني. المخيّم كبير والطرقات موحلة بلا زفت و«الجور» هائلة الحجم. وصلنا بعد جهد إلى بيت العائلة التي ستستقبلني ليومين اثنين. وهم الآن مستأجرون في مخيّمهم. نجلس على الوسادات، نأكل الهندباء ونتحدّث عن المخيّم والمداخل والجيش.
نخرج في السهرة إلى أول لقاءاتنا. مرّة أخرى الوحول. سنخوض فيها طوال فترة الإقامة هنا، وسنأخذ بعدها وقتاً لغسل ثيابنا وجلدنا. نصل إلى ما يسمّى «الرزمة الأولى»، أوّل قسم من البيوت التي أعادت الأونروا بناءها وسلّمتها لأصحابها. لون البيوت، كلّ البيوت، أصفر فاتح. الشوارع تشبه بعضها. نأتيها في الليل وأنا عليّ أن آتيها وحدي غداً. سأضيع حتما رغم كل محاولاتي لتذكّر الأماكن والزواريب و«الكواع»، ليس لشيء إلّا لأنها تشبه بعضها: بألوانها وفراغ الشوارع من أي شيء ما عدا الباطون. إنه انعدام الاختلاف، كابوس هيتشكوكي.
نصل إلى المنزل المنشود. كما في كلّ مكان ندخله، نخلع من أرجلنا رغم البرد القارس، فالوحل لا يسمح لنا بأبعد من عتبة المنزل النظيف. منزل من سنسمّيها «عنبرة». تأخذني الحاجة عنبرة إلى الغرفة المجاورة. وهي الوحيدة المجاورة للغرفة الأولى التي يحتلّها الرجال في هذه السهرة يلعبون الورق على الأرض. غرفتان لسبعة أشخاص ونحن ننزوي نتحدّث عن البيت والمخيّم، وكأن هناك فرقاً بين الإثنين. تحدّثني الحاجة عنبرة عن مشاكل البويا والأدوات الصحية السيئة. تتجمّع النسوة معنا في الغرفة شيئاً فشيئاً وتلحق بأذيالهن أعداد الأطفال. يسألن ماذا أفعل هنا وإن كان ما أفعله سيساعدهن على «تحسين الوضع». «أتمنّى»، أقول لهنّ.
الكهرباء مقطوعة. نسهر على أغان عن نهر البارد وصور تشي غيفارا وياسر عرفات والحكيم جورج حبش وليلى خالد تخيّم علينا في محاولة لكسر سلطات كثيرة في مخيّم فلسطيني. وفيروز أيضاً.
يخبرني محمود عن شيخ من المخيّم التقى به مرّة فسأله بالفصحى: «سمعت أنك أصبحت شيوعياً». فقال له محمود أجل. سأله الشيخ لم؟ فشرع محمود يفسّر الحاجة لإعادة إعمار البيوت أكثر من الجوامع. كان ذلك نهار ثلاثاء مشمس. نهار الجمعة اللاحق، احتلّ محمود صلب موضوع خطبة الشيخ الذي راح يحكي عن الشيوعيين الكافرين في المخيّم. سألني محمود:»»ليش يعني إذا شيوعي بكون ما بسوى؟».
«هنا أجمل مكان في العالم» يردّد لي ياسر وصديقه محمود، «ما في أحلى من المخيّم». يحدّثني ياسر قائلاً «حتى الآن، لا أستطيع الخروج لمدّة طويلة من المخيم. خرج أهلنا من فلسطين ولم يعودوا حتى الآن. لا نريد أن يحصل ذلك مرّة أخرى». أتمشّى في ما أصبح الآن شارعاً ترابياً واسعاً ومحلّات مغلقة وأرى ما كان هنا في كلام محمود وياسر وغيرهم. كان سوقاً كبيراً يأتي الناس إليه من كل المناطق. كانت المباني تعلو أمام البحر والأولاد يلعبون هنا في الشارع. كان المخيّم أكثر من مكان للسكن، وكان البيت يمتدّ خارج حدود الخريطة.
عند خروجي من نهر البارد، يفاجئني تمثال لـ«شهداء الجيش في مخيّم نهر البارد»، وكأنه يقول إن أهالي المخيّم هم الذين قتلوا أبناء الجيش اللبناني. ويزيد الهمّ على قلوب الفلسطينيين الذين لا يذكر أحد شهداءهم أو مخّيمهم الذي دمّر. ويمثّل التمثال عدداً من الجنود يحمل أحدهم بارودة، والآخر طفلاً، والآخر يمدّ يده في تحية ولاء لشيء ما. يضحك الشباب وهم يقولون لي «كان لازم كمان يحمّلوهم غسّالة وبرّاد وفرش البيت».. إشارة إلى ما ردده شهود كثر عن سرقة بيوتهم على أيدي بعض الأفراد المرتدين لملابس الجيش. روت لي إحدى السيّدات أن فتاة في العاشرة من عمرها وقفت عند حاجز للجيش بعد السماح بالعودة إلى المخيّم، فقالت للجنديّ: «بدّي أسألك سؤال بس ما تحبس أهلي. مين سرقلنا الغسّالة والبرّاد والكنباي؟» فتردّد الجندي ثم أجابها: «ما بعرف والله. بس مستغرب ليش عندكم مصاري أكثر من أهل البلد؟».
وأسأل ما الذي يجعل هذا العسكري؟ هذا الفقير يكره ذلك الفقير ويخوض ضده هذه الحرب الغبية؟ فما يحصل لا يظهر كسياسة عامة للجيش (على ما نتمنى) وإنّما كردود فعل في سياق ما يجب أن يكون صراعاً طبقياً غطّته كراهية عمياء لـ«الغريب».

إعادة الإعمار: مستويات مختلفة من المشاكل

قبل البدء بتقييم رزم البيوت الجديدة في البارد، أنظر إلى مختلف مراحل إعادة الإعمار: الخطّة، تدخّل الجيش بالخطّة، دور الاستشاري وأخيراً التنفيذ عبر المقاول. فقد فكر الأهالي بوضع خطة للمخيّم خلال الحرب على البارد، تعاونوا مع منظّمات ومنظّمين مدينيين قضوا فترات طويلة يناقشون فكرة الإعمار وإعادة رسم المخيّم كما كان، لحفظ حقوق أصحابه فيه. بدأت المشكلة، كما روى الكثيرون، بعدم تصديق الناس بأن المخيّم سيعاد إعماره (وهو الآن المخيّم الفلسطيني الوحيد في العالم الذي أعيد إعماره من قبل الأونروا، باستثناء مخيّم جنين حيث أمّنت الأونروا براكسات ولم تعد إعمار البيوت). هكذا، استخفّوا بنقاشات خطة إعادة الإعمار ولم يعيروا أهميّة للخرائط التي كانت ترسم. وغالباً ما كانوا يوقّعون عليها دون أن يفهموها. «كنّا مآمنين بفكرة انو اللي بيتدمّر ما بيتعمّر»، قال أحدهم. فاكتشفوا بعدها أن بيوتهم أصبحت أصغر حجماً مثلاً. «مساحة المخيّم 193 الف متر مربّع، اطرحي منها 30% طرقات بقرار من الجيش؟ بقي نحو 130الف متر مربّع لـ5250 بيت. إيه ما بتزبط تطلع باريس! في عنّا شقق مساحتها 30 متراً مربعاً!»
إلّا أن المشكلة الأساسية في خطّة إعادة الإعمار تبدو واضحة في المساحات العامة. فقد كان مقرّراً أن تلحظ هذه المساحات حدائق صغيرة وساحات مختلفة تؤّمن حياة للشارع وتعيد الروح للمخيّم. لكن وجود الآثار (مدينة ارتوزيا) على عمق أمتار قليلة، منع ذلك، ما جعل الزواريب فارغة وميتة. كما أن ألوان البيوت وشكلها الخارجي الرتيب، يسبّب اختلاطاً في الأماكن على القاطن. «قال مرّة أجت مساعدة، وزّعوا قمصان نوم من نفس الموديل على نساء المخيّم، بطّل الواحد يعرف مرتو من جارتو»، يقول لي أحدهم وهو يقهقه.
تظهر المشكلة الثانية في تدخّل الجيش في كل تفاصيل إعادة الإعمار: من عرض الشوارع إلى إلغاء الشرفات إلى تضييق قساطل الصرف الصحي، فـ«كلّه يهون لعيون الأمن». حتّى أن الناس ضاقوا ذرعاً بأن للجيش حقّاً أكبر من حقّهم في تقرير شكل مخيمهم وبيوتهم. هكذا أثّرت قرارات الجيش وجدول ممنوعاته على شكل المخيّم وعلى حياة أهله اليومية، ما أدّى إلى قضم مساحات البيوت. تتذمّر النسوة من عدم تمكّنهن من نشر الغسيل إلّا على السطوح، ومن«طوفان» ماء المجاري بسبب ضيق القساطل. تمازحني هبة «إذا التقى جرذون وجرذونة وأجا أخوها لقطها؟ ما فيها تهرب». كما أن الوقت الذي تأخذه كلّ «رزمة» لتسلّم لأصحابها هو وقت خيالي. فبعد 5 سنوات على تدمير المخيّم، لم تسلّم سوى رزمتين من أصل سبع، وذلك لتأخر التمويل وتدخّلات الجيش ومديرية الآثار.
بالإضافة إلى مشاكل الاستشاري الذي يضع خرائط البناء بحيث يجد السكّان عموداً في وسط مدخل البيت أو شبّاكاً يفتح على حائط، تبدو المشكلة مع المقاول، وهو جهاد العرب «المحسوب» على الحريري، أكبر المشاكل. فبينما يحصل الاتفاق على نوعية معيّنة من الأدوات الصحيّة ومواد البناء وغيرها، يُظهر النشّ تدني نوعية المواد المستعملة. وتعاني الأونروا حالياً من عدد هائل من شكاوى السكان، خاصة وأنّ العقد يلزمها صيانة البيوت لعام كامل بعد التسليم. وأكّد مصدر من الأونروا طلب عدم ذكر اسمه أن جهاد العرب قد خرق بنوداً عدّة من عقده مع الأونروا، إلّا أن الأخيرة لا تستطيع ملاحقته بسبب «واسطته» السياسية.
«هل صارت المشكلة اليوم الخيار بين الغرانيت أو الرخام لرصف الدرج؟ هل أحلم؟» سألت أصدقائي هناك. سألتهم ايضاً إن كان إحساسي صحيحاً بأن الأولويات تبدو مختلفة تماماً عن كلّ ما نراه في أي من المخيّمات الأخرى. «هاد تأثير «الأن جي أوز» (الجمعيات الاهلية). صار الاعتماد على المساعدة الخارجية طبيعياً»، قالوا لي. كان الأمر غريباً فعلاً، ففي ظل تحكّم كامل من قبل الجيش، وضغط أمني واقتصادي خنقا المخيّم لخمس سنين، يبدو أن خلط الأولويات هي الحيلة. فبدل أن يتظاهر أهل المخيّم لفك الحصار عنه، يتظاهرون لأن الأونروا لا تدفع لهم اشتراك الكهرباء. الوضع يتطلّب تحرّك الأهالي لأن أي شخص ينسى تصريحه في المنزل لا يستطيع العودة إلى المخيم بدونه.

نار تحت الرماد

وتحت رماد السنين الخمس التي مرّت، مازال الجمر يتّقد بين «الفلسطيني» والجيش. «أهل مخيّم البارد عايشين بثكنة عسكرية» يقول أحد الشباب. فالعيش في المخيّم المعاد إعماره أو في شقة مستأجرة أو في براكسات ليس أمراً بسيطاً. لا شيء يضاهي الباراكسات وأفلام الرعب التي يمكن أن تحدث بين علب الحديد والباطون هذه. أمشي بين الأزقة فيندهني بعض الأطفال بسبب الكاميرا «صوّرينا». «بتحبّو هون؟ مبسوطين؟» أسأل وأنا آخذ صور الفتيات الصغيرات اللواتي يتهافتن أمام العدسة. «لأ. ناطرين يعمّرولنا بيوتنا بالمخيم لنرجع». لم أستغرب أجوبتهنّ، فالغربة التي تشعرن بها لا شك بسبب هذه الممرات المظلمة المسماة شوارع بين المكعّبات المتماثلة المسماة ابنية. من الاكتظاظ إلى تكرار لا نهاية له للأبواب والأشكال نفسها، ضياع الوجهة وضغط اليومي بالإضافة إلى ضغط المسكن الفاشي بما يخلقه فيك من عزلة وانسلاخ عن المكان واختلال واضح لمفهوم الإنتماء. إلام يمكن الإنتماء هنا؟ إلى علب الباطون؟ أم ساحات الوحل والممرّات المعتمة خارجها؟
غيّر فراغ المكان من معناه، ما زال المخيم نقطة فصل بين اللبناني والفلسطيني، نقطة في الزمن ترشح حقداً وخوفاً وألماً. يبدو للناس أن الحرب قد بدأت ضد «فتح الإسلام» الذي ذبح الجنود في اسرّتهم، لكنّها انتهت ضد المخيّم وأهله!. «لازم نطلب يعمّروا كنيسة وحسينية بالمخيّم لحتّى ما يتدمّر مرّة تانية»، يقول عمر ساخراً من ضياع القضية الفلسطينية والفلسطينيين في الانقسامات الداخلية اللبنانية. «في تنظيم للقاعدة بعرسال. بيسترجي الجيش يقصف عرسال؟»
أمشي عائدة إلى حاجز المحمّرة، عابرة تلال القصب حول النهر البارد. أمشي في المخيّم وأحاول أن أبني في رأسي مستعينة بما سمعته من أهله، كيف كان ليبدو هذا المكان - البيت. أحاول مرّة أخرى أن أستوعب، بامتياز فتاة تحمل جنسية لبنانية، كيف يختفي ما يمكن أن نسمّيه بيتنا، حارتنا، بنايتنا، «محلّ أبو رامي» حيث بدأت ذكريات آخر الطفولة وأوّل المراهقة وأوّل غمزة. تدمير فإعمار فعودة. لا أعلم ماذا يأتي بعد ذلك، ولا أعلم إن كان أهالي المخيّم المنهكين من النكبات والتهجيرات والغربة المؤقتة الدائمة، يملكون الطاقة الكافية لتدجين هذا المكان العدائي، لوداع المكان القديم ودسه في درج الذكريات، وخلق حياة جديدة في مكان هو أقرب إلى سطح كوكب بارد. أودّع المخيّم بكزدورة على البحر. هنا دمّر المخيّم عن بكرة أبيه. هنا كان التكتّل الأكبر لـ«فتح الإسلام»، كلمة السرّ لتدمير مخيّم فلسطيني، أو الحجّة التي لم يستطع أحد مقاومتها. البحر بيضحك ليه؟ حقا؟ تغيب الشمس فتشكّل لوحة خلف هياكل البيوت الضعيفة المتآكلة والأسقف المتهالكة المنطوية على بعضها. ثم نقترب من تلك البيوت، ويصبح عمري سبع سنوات، أتمشّى بين المباني المدمّرة في بيروت، والحائط المحطّم يكشف حمّاما وبلاطا أخضر وصوت قطرات ماء من قسطل مكسور. وكأن كل شيء يقول لي «عندما تعرفين الحرب مرّة، وأينما ذهبت، تبقى الصور معك . الحرب تلاحقك». عليّ أن أعود إلى لبنان أقول، لأن المكان الذي أنا فيه هو أقرب إلى كونه فلسطين. أودّع ما خلقته هذه الساعات فيّ من ذكريات. بينما نمشي وراء شمس تغيب، يخلق فينا المخيم الناعس حاجة إلى الشعر. هو المسكن والأم ومكان المقاومة، هو «أجمل مكان في العالم»، وآخر ما نتمسّك فيه قبل العودة إلى فلسطين. وأنزل الطريق البحرية الطويلة إلى بيروت، بينما أغفو في الفان تعود طعمة «المفروكة» التي «ضيّفوني» إيّاها مع الشاي باليانسون والقرفة، وأنفض عنّي ما زرعه فيّ هذا المخيّم من شعر، أروح أدندن للشاعر العراقي بدر شاكر السياب «عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ وشُرفتان راح ينأى عنهما القمر»*.

* من قصيدة للشاعر العراقي بدر شاكر السياب



كان غريبا أن يكون اسم المنطقة «الرزمة الأولى». منطقة أخرى اسمها «سكتور بي» (sector B) وغيرها.. سألت عن الاسم الأساسي لهذه المناطق. كان اسمها المحمّرة، وهنا في الرزمة الأولى لدينا حيّ «سعسع». لقد كانت كل مناطق وأحياء المخيّم مسمّاة على اسم المنطقة التي أتى منها أهلها من فلسطين. قال لي أحدهم بأن أول اللاجئين كانوا يختارون منطقة تشبه بشكلها المنطقة التي أتوا منها. فيسكن أهل الساحل قرب البحر، ومن جاء من منطقة جبلية يختار تلّة أو جهة تذكّره ببلده. كان غريبا قلت، أن تمحو هذه الاسماء الجديدة إحدى أهم ميّزات المخيّم من حيث وصلها مع الأصل، مع المصدر، مع فلسطين.