كيف فلسطين؟
أمضيت 20 يوماً في زيارتك الأخيرة للضفة الغربية، أين ذهبت؟ كيف فلسطين؟ أخبرنا؟ هل ما زالت القضية في أذهان الشعب الفلسطيني كما كانت؟ هل هي على الأقل في الداخل كما هي في الخارج؟ أخبرنا ماذا رأيت؟ أين ذهبت؟ وماذا شعرت؟
هذه الأسئلة المتعددة التي أحاصرك بها، ليست سؤالي فقط، بل سؤال العديدين مثلي ممن لم يعرفوا فلسطين إلّا من خلال صور هنا أو فيلم هناك أو قصص سمعوها من أجدادهم وأهلهم؟
كيف القدس؟ هل يستطيع أحد أن يراها أو يدخلها؟ ماذا ستخبرنا عن فلسطين؟

الأردن ـــــ ربى حسن

■ ■ ■

فلسطين قسم 1967


الأرض هي ذاتها رغم التغييرات ورغم جدار يطوّق الضفة الغربية، محاولاً أن يفصل بين شطري الوطن المحتل بفترتين مختلفتين، الضفة الغربية وقطاع غزة. الخريطة المسخ التي رأيناها في قطر كأنها صورة في كتاب الأحياء لنوع من «البكتيريا» اللاهوائية.
المدن الفلسطينية في الضفة الغربية تمددت وتوسعت؛ فبعض القرى التي كانت تعد من أطراف رام الله أصبحت جزءاً من المدينة، وكذلك نابلس؛ فمقر قوات البحرية أو سجن جنيد كان يقع على أطراف المدينة، ولكنه اليوم في وسطها، الكثافة السكانية العالية جعلت التمدد العمراني ممكناً في بعض المدن ومستحيلاً في مدن أخرى مثل «قلقيلية» المحاصرة بالجدار وبحدود اتفاقية أوسلو مثل مناطق A و B وأخيراً C.
مناطق تحت سيطرة أجهزة السلطة الفلسطينية، ومناطق مشتركة قليلاً، لكن الكلمة العليا لقوات الاحتلال، ومناطق من دون سيطرة أحد مثل «أبو ديس» وهي من ضواحي القدس الشرقية يفصلها عن مدينة القدس، عاصمة شعبنا التاريخية والأزلية، أسوار متعددة. لكن في «أبو ديس» وبعض المناطق تقف لترى جبل الأقصى وقبة الصخرة ومنارة كنيسة القيامة ومنارة كنيسة العذراء وكنيسة جبل الزيتون، تراها من بعد وتشعر رغم قرب المسافة ببعد أكثر؛ فالفلسطينيون في لبنان، وحتى في التشيلي وجنوب أفريقيا، القدس أقرب إليهم من الذين يقفون على مرتفع في «أبو ديس» ليروها ولا يستطيعون الدخول إليها إلا بمغامرات للتهريب. ترى حافلات تمر على معبر «قلنديا» بين رام الله والقدس ومسار خط الحافلة هو (رام الله ـــــ القدس). الشعور الوحيد الذي شعرت به هو غصة البكاء مختنقة في الحلق. القدس مشاع لكل يهود الدنيا، وأبناؤها محرومون رؤيتها على الأقل. في أثناء وجودي في رام الله كانت هناك صديقة من «حيفا» تريد الدخول إلى «رام الله»، فذهبت صديقة أخرى من الجليل كانت قد سبقتها إلى رام الله بيومين، ذهبت إلى القدس لإحضارها، اصطحبت معها طفلة اسمها شام... الطفلة الصغيرة عادت بأسئلة كثيرة تثقل الكاهل: من هؤلاء الذين يلبسون «البرنيطات» السوداء ولهم لحىً كثيفة وسوالف طويلة؟ لماذا هناك في القدس الكثير من الأجانب؟ ولماذا لا تستطيع ماما أن تدخل القدس كما تدخلها خالتو؟
أسئلة بريئة وبسيطة، لماذا يمكن بعض الفلسطينيين أن يدخلوا عاصمة فلسطين «كما درست شام في المدرسة» ولا يستطيع أن يدخلها فلسطينيون آخرون؟
تلك الأسئلة وجدت إجابات لدي:
هؤلاء الذين يلبسون القبعات الإفرنجية ولديهم سوالف هم صهاينة جاؤوا من أميركا وبولندا وبريطانيا ومن كل مكان ليحتلوا بلادنا. هؤلاء الأجانب هم أعداؤنا الذين سرقوا بلادنا وطردونا منها بالقوة.
بعد إجابات عدة خلصت شام إلى نتيجة... كان قد طرحها أول رئيس لمنظمة التحرير، هو المرحوم أحمد الشقيري. قالت شام: «هذول لازم نزتهم بالبحر». طفلة ليس لديها من التاريخ السياسي الشيء الكثير أخذت معطيات بسيطة توصلت إلى نتيجة مفادها أن فلسطين للفلسطينيين، للعرب الفلسطينيين. للأسف لم يتوصل الكثير من السياسيين المحنكين من شتى المنابع الفكرية إلى هذه النتيجة، بل تضاربت المواقف بين 67 و 48 وحدود حزيران وحدود أيار، اختلفت التواريخ وفلسطين بقيت واحدة. قطعان المستوطنين ما زالت تستبيح القرى الفلسطينية في الضفة كما استباحتها في فلسطين المحتلة عام1948.
هناك من يقول إنّ بعض المستوطنات التي تُبنى في الضفة هي على نفقة سمو أمير دويلة قطر، فضلاً عن أقوال بأنه تبرع لبناء محطة حرارية لإنتاج الكهرباء في «تل أبيب أو ضواحيها». عزيزتي ربى، ما زال في جعبتي المزيد عن هذه الزيارة قد لا يسعها هذا المقال، لكني سأكتب الكثير الكثير... لكن مهما كتبت، ومهما قلت، فالنتيجة واحدة... فلسطين هي فلسطين، ملاحظة أخيرة: بلغ عدد الفلسطينيين في العالم هذا العام 11 مليوناً. هل يستطيع 1000 شخص أو حتى 11 ألف شخص أن يلغوا من ذاكرتهم فلسطين التي إذا قمنا بعملية حسابية بسيطة تساوي: 48+67=1؟ هل ممكن؟

الأردن ـــــ معاذ عابد