عمان | تشهد الأردن هذه الأيام جدلاً حادّاً حول الأسباب والخلفيات التي أدت إلى إغراق الأسواق الأردنية بالبطاطا الإسرائيلية التي تهدّد الإنتاج المحلي الآتي من منطقة الأغوار. وقبل ذلك، أُثير جدل مماثل خلال موسم جني الزيتون، إذ بلغت الكميات المصدّرة إلى إسرائيل من الزيتون الأردني11.480 طنّاً، قبل أن يغلق باب التصدير في منتصف تشرين الثاني الماضي. بذلك، استحوذت دولة الاحتلال على أكثر من 98 في المئة من صادرات الزيتون الأردني، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة.
وقد تزامنت بداية العام الجديد مع تدفق غير مسبوق لشحنات البطاطا الإسرائيلية على الأسواق الأردنية. «غزو» ساهم فيه تساهل وزارة الزراعة في منح رخص الاستيراد لعدد كبير من المستوردين للإنتاج الإسرائيلي. والغريب أن الوزارة رفضت في الوقت نفسه، السماح بإدخال شحنة بطاطا ذات مواصفات وجودة عاليتين آتية من دول الخليج.
ولم تفلح مناشدات مزارعي وادي الأردن في ثني وزارة الزارعة عن قرارها التطبيعي، رغم أنّ حجج هؤلاء المزارعين لم تكن سياسية فحسب، بل استندت إلى معطيات زراعية بحتة أيضاً، بحيث أشاروا إلى أن غزو البطاطا الإسرائيلية للأسواق الأردنية تزامن مع نضوج محصول البطاطا المحلي المزروع في منطقة الأغوار، ما تسبّب في تضرّر هذا المنتج المحلي، وتراجع أسعاره لصالح الإسرائيلي. كلام يؤكده رئيس مجلس إدارة «اتحاد مزارعي وادي الأردن»، عدنان خدام، قائلاً إن «دخول كميات كبيرة من البطاطا الإسرائيلية إلى السوق الأردنية، وتزامنه مع نضوج محصول البطاطا المحلي، يتسبب لمزارعينا في اختناقات تسويقية حادة»، وخصوصاً أن البطاطا تُعتبر المنتوج الرئيسي لدى غالبية المزارعين الأردنيين. من جهتها، كشفت مصادر في وزارة الزراعة الأردنية أن الوزير أحمد آل خطاب ألّف لجنة للتحقيق في هذه القضية، ما أفضى إلى وقف رخص الاستيراد الممنوحة لعدد من التجار. لكن المزارعين رأوا أن هذا الإجراء جاء متأخراً بعدما باتت الأسواق مليئة بالمنتج الإسرائيلي. هذا «الغزو الزراعي» ليس المعطى الاقتصادي الوحيد الذي يؤرق الأردنيين المعارضين للتطبيع، إذ هناك أيضاً ظاهرة «السياحة الدينية» التي تترجم باستغلال بعض المكاتب السياحية لمشاعر المؤمنين، من مسلمين ومسيحيين، لكسر حاجز مقاومة التطبيع. ويحصل ذلك من خلال إغراء الناس لزيارة الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة والخليل والناصرة، الأمر الذي دفع بـ«اللجنة العليا لحماية الوطن ومقاومة التطبيع» الأردنية إلى توجيه دعوات وتحذيرات متكررة للشركات السياحة ووكلاء السفريات، من أجل «الكف عن تنظيم مثل هذه الرحلات التطبيعية، تحت ذرائع الدين أو السياحة». وحرصت «اللجنة» على التذكير بإجماع المرجعيات الدينية المسيحية والاسلامية على شجب هذا الصنف من «السياحة الدينية»، بدليل الفتاوى التي أصدرها عدد من المشايخ، كـ«رئيس الاتحاد العالمي لهيئة علماء المسلمين» يوسف القرضاوي، والشيخ عكرمة صبري، إضافة إلى تحريم بطريرك الكنيسة القبطية المصرية البابا شنودة لهذه الزيارات «ما دامت القدس محتلة». وفي خضمّ هذا الجدل، برز فصل جديد من فصول التطبيع تمثّل بما كشفت عنه صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في السادس من الشهر الجاري، بخصوص موافقة عمّان على التوقيع قريباً على معاهدة «كويز» جديدة، تتضمن اتفاقية ضخمة للتعاون التجاري مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة. واتفاقية «كويز» تربط بين كل من مصر والأردن بالولايات المتحدة، وهي تعفي البضائع الأردنية والمصرية المصدَّرة إلى أميركا من رسوم جمركية إذا كانت هذه البضائع تحتوي على مواد أولية إسرائيلية.
وذكرت الصحيفة العبرية أن واشنطن عبّرت عن رغبتها بدعم اتفاق ثلاثي إسرائيلي ـ أميركي ـ أردني، لضمان «حرية التعاون التجاري». وقالت «معاريف» إنّ الاتفاق يهدف إلى خفض أسعار المنتجات المتبادلة بين الأردن وإسرائيل بقيمة 10 في المئة، وذلك عبر تسهيل إحضار المواد أو المكوّنات الأولية من الولايات المتحدة، وتصنيعها في إسرائيل والأردن، مع إعفائها كلياً من رسوم جمركية. وتوقّعت الصحيفة الإسرائيلية أن تشكل هذه الاتفاقية دفعاً قوياً لتعزيز الصلات التجارية بين إسرائيل والأردن. تجدر الاشارة إلى أن هذه الاتفاقية تأتي امتداداً لمعاهدة التعاون التجاري التي كانت قد وُقِّعت بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية عام 1998، وتضمّنت إنشاء 11 منطقة صناعية مشتركة، بعضها في الأردن، والبعض الآخر في منطقة بيسان شمال فلسطين المحتلة.
ويرى المحلَِّل الاقتصادي سلامة الدرعاوي أن الحجم الكبير، كمّاً ونوعاً، لصادرات مدن «اقتصاد السلام» في اتفاقية «الكويز» لم تكن لها أي إسهامات إيجابية على الاقتصاد الأردني. ويضيف أن «القيمة المضافة التي جاءت بها هذه المدن الصناعية إلى الاقتصاد الوطني الأردني لم تتجاوز 15 في المئة في أفضل الحالات، وذلك بسبب اعتماد هذه المصانع على العمالة الوافدة، وتمتُّعها بإعفاءات جمركية وتسهيلات كبيرة، وهو ما أفرغ ما يسمى «اقتصاد السلام» من أي محتوى ملموس.
ويوافق رئيس جمعية مصدِّري الألبسة الأردنية، فرحان أفرام، على هذا التحليل، ويشير إلى أن «منتجات المصانع التي أقيمت ضمن اتفاقية اقتصاد السلام، موجهة أساساً للتصدير إلى الأسواق الأميركية، بحكم تسهيلات اتفاقية التجارة الحرة، بالتالي فهي لا تُعنى بتغطية حاجيات السوق الأردنية». أما على الصعيد الاستثماري، فيرى أفرام أنّ وجود مشاركات إسرائيلية يحدّ كثيراً من إقدام المتمولين الأردنيين على الاستثمار في هذه المصانع، في ظل مطالبة لجان مقاومة التطبيع والنقابات المهنية والأحزاب المعارضة بمقاطعتها.



«الجكّيون» vs إسرائيل


على صعيد مناهضة التطبيع السياسي، يقول نائب رئيس «اللجنة العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع»، ميسرة ملص، إن 18 عاماً مرّت منذ توقيع اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، «ولم يعد ذلك على الأردن سوى بالضرر والتقهقر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهذا ما ساعد لجان مقاومة التطبيع على إيجاد ثقافة بين الأردنيين ترفض كافة أشكال العلاقة مع إسرائيل». وفي الوقت الذي اجتمع فيه المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون في عمان، الاسبوع الماضي، صعّد نشطاء الحراك الشعبي المناوئ للتطبيع، الذين يطلقون على أنفسم اسم حركة «الجكّ»، اعتصاماتهم الأسبوعية التي تُقام مساء كل خميس، لرفض «أي شكل من أشكال التواصل مع الكيان الصهيوني».
من جهتها، دانت «جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية»، احتضان الأردن لعودة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وأصدرت الجمعية بياناً شجب «العودة المهينة للمفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني»، مشددة إلى أن «المصلحة الحقيقية للقضية الفلسطينية وللأردن تتمثل في تصعيد المقاومة، فكل بوصلة لا تتجه نحو القدس إنما هي بوصلة مضلِّلة».