لا ينكر أحد أن الكاريزما التي يتمتع بها رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، ضمنت له البقاء في هذا المنصب لثلاث دورات متتالية، منذ انتخابه خلفاً لموسى أبو مرزوق في عام 1997، رغم أن النظام الداخلي للحركة يمنع التمديد لأكثر من ولايتين، فيما تفسّر مصادر في الحركة أن التمديد الأخير جاء في خضم العدوان على غزة، والحركة لم تكن في وارد الدخول في تغيير قيادات في تلك الفترة، أي في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009. <1--break-->غير أن الوضع اليوم يبدو متغيّراً، في ظلّ المتغيّرات التي تعصف بالعالم العربي وصعود نجم حركة الإخوان المسلمين. على هذا الأساس يبدو التغيير في حركة «حماس»، التي تدور في الفلك نفسه، وارداً بعد انتشار خبر عدم نيّة مشعل الترشّح لولاية جديدة على رأس المكتب السياسي للحركة.
تأويلات كثيرة رافقت الخبر، الذي لم تؤكده «حماس» ولم تنفه رسمياً، غير أن مصادر مقرّبة منها لم تتفق على تفسير واضح للخبر في حال تأكده، بل قدمت رؤى متعددة، منها ما هو مرتبط بخلافات داخلية، وأخرى على علاقة بضغوط إقليمية، ولا سيما في ما يخص الأزمة في سوريا، فيما حرص أحد المصادر على القول إن الخبر «مجرد شائعة».
مصادر وثيقة الصلة بما يجري في «حماس» أكدت خبر عدم الترشّح، مشيرة إلى أنه اتخذ بالإجماع خلال الاجتماع الذي عقده المكتب السياسي لـ«حماس» في السودان قبل أسبوعين. غير أن المصدر لم يخف أن القرار جاء نتيجة ضغوط وخلافات، لم يحددها، إلا أنه أكد أن المصالحة ومواقف خالد مشعل الأخيرة، التي أثارت ردود فعل من جانب بعض القياديين في الداخل، «ليس لها علاقة» بالأمر.
المصدر ربط الأمر مباشرة بما يجري في سوريا، مشيراً إلى أن الهدف من عدم ترشيح مشعل نابع من رغبة الحركة في نقل المكتب السياسي من دمشق، من دون إعلان ذلك رسمياً. وبالتالي فانتخاب عضو آخر لرئاسة المكتب السياسي، سينقل المكتب تلقائياً وإجرائياً إلى حيث يقيم الرئيس الجديد. أما الأسماء المطروحة والمواقع المتوقعة للمكتب، فأشار المصدر إلى أن اثنين من الأسماء المرشحة، أحدهما نائب رئيس المكتب السياسي الحالي، موسى أبو مرزوق، الذي خلفه مشعل في عام 1997 حين كانت معتقلاً في الولايات المتحدة. وفي حال انتخاب أبو مرزوق، سينتقل المكتب السياسي إلى القاهرة، التي يتخذها أبو مرزوق مقراً شبه دائم له بعدما غادر دمشق. أما الخيار الثاني، فهو رئيس الحكومة المقالة في قطاع غزة إسماعيل هنية، الذي يحظى بنفوذ قوي داخل الحركة. وفي حال انتخابه، سينتقل المكتب السياسي إلى قطاع غزة. غير أن المصدر نفسه يقلل من الاحتمال الثاني على اعتبار أن المكتب في غزة سيحدّ من قدرة رئيسه على الحركة، إضافة إلى أنه سيضعه في مرمى الاستهداف الإسرائيلي المباشر، من دون أن ينسى الإشارة إلى أن الحركة تعوّل على الحكم المصري الجديد وتعاطيه مع غزّة عموماً، ومعبر رفح على وجه الخصوص، وقد اختبرت ذلك في الجولة الخارجية الأخيرة التي قام بها هنية.
ولا يستبعد المصدر أن يكون القرار نابعاً من حجم الضغوط التي يتعرض لها أبو الوليد في الفترة الأخيرة في ما خص موقف الحركة من سوريا، الذي لا يحظى بتوافق كامل. ويشير إلى أن مشعل تلقى في الفترة الأخيرة رسالة من إحدى الجهات الإقليمية الداعمة لـ«حماس» طالبته فيها بموقف صريح «إما معنا أو ضدنا»، قاصدة الموضوع السوري. وبناءً عليه قام أبو الوليد بمحاولة فتح ثغرة في جدار الأزمة السورية عبر محاولة إيجاد سبيل للحوار بين النظام السوري وبعض علماء الدين المعروفين بمواقفهم المعارضة للنظام، لكنهم في الوقت نفسه يخشون المد السلفي. وتضيف المصادر أن مثل هذه المحاولة لم تحظ برضى قيادات في الحركة رأت أن المرحلة الحالية مرحلة صعود لـ«الإخوان» على مستوى العالم العربي كله، وهي المرحلة الأمثل لفتح حوار مع واشنطن، مكمّل لحوار «الإخوان»، يمكن أن ينتهي بعقد صفقة من نوع ما.
أنباء عدم ترشح مشعل كانت مدار تباين في غزة أيضاً؛ إذ أكدت مصادر من الحركة، فضلت عدم الكشف عن اسمها، أن هذه الأنباء ما هي إلا شائعات غرضها النيل من وحدة الحركة، ومحاولة تقسيمها بين «الداخل والخارج، ما يساويها بـ«فتح» المتضعضعة». وأشار إلى أن من «أهم مروجي الشائعات هم أصحاب المصالح بعدم إنجاح المصالحة، والمستفيدين من الانقسام، سواء كانوا من فتح أو من حماس غير الراضين عن جهود مشعل الجدية باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية». فيما أكد مصدر مقرب من الحركة أنه «بالفعل لا توافق كاملاً على استمرار مشعل في تولي رئاسة الحركة، وخاصة بين المتشددين من الحركة؛ لأنه خالف نهج الحركة في التعامل مع الملفات الداخلية»، مشيراً إلى أن «ذلك بدا واضحاً في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد أحداث سوريا التي قلبت موازين الحركة داخلياً وخارجياً، وهي ما دعت الخلافات لتظهر على السطح».
ويرى المصدر نفسه أن «المتشددين من الحركة يحاولون إضعاف مشعل أمام الرأي العام من خلال تلك الأنباء التي تفيد بعدم نيته الترشح مرة أخرى»، مشيراً إلى أن ذلك قد يكون محاولة منهم للضغط عليه للتراجع عما يسمونه تنازلات أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
الأمر نفسه رجحته مصادر فلسطينية متطابقة، مشيرة إلى أن مشعل يواجه معارضة يقودها عضو المكتب السياسي للحركة محمود الزهار، الذي يتمتع بحضور ونفوذ قويين في قطاع غزة، لجهة ترشحه لفترة رئاسة جديدة، لكن مشعل في الوقت نفسه متحصن بتيار قوي في الخارج وحتى في الداخل يدعم بقاءه في منصبه.
وأوضحت المصادر أن الحديث عن عدم نية مشعل الترشح قد يكون مجرد «بالون اختبار» لجس النبض داخل الأطر القيادية للحركة في غزة والضفة الغربية وسجون الاحتلال والشتات. واستبعدت إجراء حركة «حماس» انتخاباتها الداخلية قريباً وقبل تسوية الخلاف، وخصوصاً بين مشعل والزهار، وقبل معرفة ما ستؤول إليه جهود المصالحة مع حركة «فتح».
وكان من المفترض إجراء الانتخابات الداخلية في حركة «حماس» في حزيران من العام الماضي، إلا أنها تأجلت لشهر كانون الأول من العام نفسه، قبل أن تتأجل مرة أخرى لشهر نيسان أو أيار المقبلين. وتقول المصادر إن حركة «حماس» دأبت على إجراء انتخاباتها الداخلية بسرية ومن دون أي «ضجة» تحيط بها، إلا أن انتخاباتها هذه المرة تحظى باهتمام كبير في ضوء الخلافات الداخلية، والضغوط التي تتعرض لها الحركة في سوريا منذ اندلاع الأزمة قبل نحو عشرة أشهر.
وتفجر الخلاف بين مشعل والزهار عقب توقيع اتفاق المصالحة مع حركة «فتح» بحضور الرئيس محمود عباس في القاهرة، إثر منح مشعل الرئيس عباس مهلة عام للتفاوض مع إسرائيل من دون التشاور مع المكتب السياسي، بحسب مصادر مطلعة. وقالت المصادر إن الزهار لم يخف حينها غضبه واعتراضه على خطاب مشعل خلال حفل توقيع الاتفاق، وتلا ذلك إعلان اعتراضه سراً وعلناً ترشحه لفترة رئاسة جديدة على رأس المكتب السياسي للحركة. وترجح المصادر إمكان تنحي مشعل عن رئاسة المكتب السياسي في حال توليه منصباً موازياً سواء في الحركة، أو في قيادة منظمة التحرير في حال إتمام المصالحة.
التعليق الصريح على ترشح مشعل من عدمه جاء من عضو المكتب السياسي للحركة، صلاح البردويل، الذي قال لـ«الأخبار»: «إن كل ما يشاع لا أساس له من الصحة، وإن الحركة تغير رئيسها وفق نظام الشورى، لا بناءً على قرارات أفراد فيها، مهما كان منصب هذا الفرد». وأضاف: «إن قادة حماس لم يعهد عليهم التنافس على المناصب القيادية التي هي عبارة عن تكليف وليست تشريفاً، وعند حدوث أي تغييرات في قيادة الحركة ستتولى الجهات الرسمية فيها إعلانها».
كلام البردويل لم ينف صراحة عدم التجديد لمشعل في الانتخابات المقبلة، تاركاً الأمر في يد «نظام الشورى»، الذي قالت مصادر إنه غير راغب في تسمية أبو الوليد مجدّداً لهذا المنصب.
وسواء كان عدم ترشح مشعل نابعاً من «رغبة شخصية»، كما قالت مصادر، أو نتيجة ضغوط إقليمية أو خلافات داخلية، فإن من الواضح أن «حماس» دخلت على مشارف الدخول في مرحلة سياسية جديدة لم تتضح معالمها تماماً.



شهيدان في غزة


أعلن مسؤولون طبيون فلسطينيون، أن هجوماً إسرائيلياً بالطائرات والدبابات أدى، أمس، إلى سقوط شهيدين فلسطينيين بالقرب من السياج الحدودي في قطاع غزة الذي تديره حركة «حماس». وأشاروا إلى أن أحد الشهيدين لقي حتفه على الفور، وأن الثاني توفي في المستشفى متأثراً بجروحه. وأكد سكان في بلدة بيت حانون بشمال غزة أن طائرات ودبابات إسرائيلية أطلقت النيران على المنطقة. بدوره، أكد بيان لجيش الاحتلال وقوع الهجوم، وأفاد «استهدفت الطائرات وجنود فيلق المدرعات مجموعة إرهابية كانت تزرع عبوة ناسفة قرب السياج الأمني بشمال قطاع غزة». وأضاف أن «هذه هي ثاني محاولة في العام الحالي يقوم فيها نشطاء فلسطينيون بزرع قنبلة في جزء من الحدود يقوم الجيش الإسرائيلي بدوريات فيه بانتظام».
(رويترز)