بدت تل أبيب، أمس، كمن تبتلع تهديداتها لإيران بعد أسابيع سعت فيها إلى الظهور بمظهر المتوثّب لشنّ هجوم على برنامجها النووي. وبين ليلة وضحاها خرج عرّاب سياسة «أمسكوني» الإسرائيلية، وزير الدفاع إيهود باراك، ليعلن أن قرار مهاجمة إيران لا يزال «بعيداً جداً»، في رسالةٍ كانت على الأرجح موجهة نحو أذن العم سام عشية زيارة رئيس الأركان الأميركي مارتين دمبسي لإسرائيل. وإذا كان موقف باراك لا يخلو من دلالات، فإن التقديرات التي ستعرضها تل أبيب على الجنرال الأميركي بشأن «الوضعية المهتزة» للنظام الإيراني تضاف إلى هذه الدلالات، وخصوصاً في أعقاب الإعلان عن تأجيل المناورات الإسرائيلية الأميركية التي كانت مقررة في غضون أسابيع، والإشارة الصريحة إلى أن تأجيلها تقرر ربطاً بالتوتر القائم مع إيران. وفي ما يمكن عدُّه خروجاً عن سياسة الغموض الفعّال التي تنتهجها إسرائيل في مسألة مهاجمة إيران، والتي تعتمدها كرافعة ضغوط لدفع العالم إلى مواجهة إيران عوضاً عنها، نفى إيهود باراك وجود قرار إسرائيلي بمهاجمة إيران قائلاً «ليس لدينا قرار بالمضي في هذا الأمر، ليس هناك موعد لاتخاذ القرارات، وكل هذا الأمر بعيد جداً». وشدد، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، على أن إيران لا تزال ماضية في مشروعها النووي، وأنها تسعى «إلى إيجاد واقع يكون فيه برنامجها النووي محصناً ضد اعتداء مادي»، لكنه رأى أن طهران لم تتخذ بعد قراراً بامتلاك سلاح نووي، مشيراً إلى أنه سيكون عليها قطع العلاقة مع نظام الرقابة الدولي على برنامجها النووي لأجل القيام بذلك. وأردف قائلاً «هم لا يفعلون ذلك الآن، ليس لأنهم تخلّوا عن البرنامج، وليس لأنهم توقفوا عن التقدم في طريقهم للوصول إلى تحصين منشآتهم، بل لأنهم يدركون أنه في الواقع الحالي ستمثّل خطوة من هذا النوع دليلاً دامغاً على أن الوقت نفد فعلاً، وسيؤدي هذا إما إلى مفاقمة العقوبات أو إلى اتخاذ إجراء آخر ضدها، وهم لا يريدون ذلك».
وحين طلب منه المذيع تقييم المدة التي تحتاج إليها إيران لتصنيع رأس حربي نووي إذا اتخذت قراراً بهذا، قال باراك «ليست مسألة سنوات. هناك من يقولون إنها تحتاج إلى عام أو عام ونصف العام. لا يوجد فرق كبير». وإذ رأى أن العقوبات التي «يجب على الأميركيين تحريك العالم نحوها ضد إيران أقوى من السابق»، شكّك باراك في قدرتها على ثني طهران عن مشروعها النووي، لكنه قال «سننتظر ونرى».
وعمّا يحمله رئيس الأركان الأميركي في زيارته القريبة لتل أبيب، استبعد باراك أن يكون دمبسي «آتٍ ليمارس ضغطاً على إسرائيل»، معتبراً أن «رؤساء الأركان يهتمون بإعداد الجيوش لاحتمالات مختلفة، ولا يعملون في نقل رسائل سياسية». ورداً على سؤال بشأن تأجيل المناورات المشتركة مع واشنطن، رفض باراك ربط الخطوة بـ«محاولة تهدئة الإيرانيين»، لافتاً إلى أنه هو الذي اقترح التأجيل بعد أن «أثيرت اعتبارات كثيرة، ورأينا أن من الأصح إرجاءها إلى النصف الثاني من العام». وقالت صحيفة «هآرتس»، أمس، إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ستعرض على دمبسي تقديراً يفيد بأن إيران لم «تصل لغاية الآن إلى نقطة القرار بشأن ترجمة قدراتها النووية إلى سلاح». وبحسب الصحيفة، يرى التقدير الإسرائيلي أن النظام الإيراني «واقع تحت تهديد متزايد ربما لا مثيل له من حيث الحجم على استقراره، حيث للمرة الأولى تتداخل الضغوط الخارجية المتمثلة في العقوبات والتهديد بالهجوم على المواقع النووية مع أزمة داخلية عميقة». ويخلص إلى أن «عام 2011 كان عاماً سيّئاً للغاية بالنسبة إلى النظام في طهران الذي يشعر بالضغط بسبب الربيع العربي ويتخوّف من سقوط نظام الأسد في سوريا».
إلى ذلك، رأى رئيس شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، الجنرال عامير إيشيل، أن امتلاك إيران للسلاح النووي من شأنه أن يردع إسرائيل عن خوض حرب مع جماعات حليفة لها في المنطقة مثل حزب الله وحركة حماس. وقال، في كلمة أمام صحافيين أجانب ودبلوماسيين في مركز القدس للشؤون العامة، إن إسرائيل «قلقة من أن تشعر سوريا وحزب الله وحماس بالطمأنينة في ظل وجود قنبلة نووية إيرانية»، معتبراً أن هذه القوى «ستكون أكثر عدوانية، وستتجرّأ على الإتيان بأفعال لا يجرؤون عليها حالياً». وأضاف «لذلك سيحدث هذا تحوّلاً جذرياً في الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، لأننا إذا اضطررنا إلى أن نتخذ إجراءات في غزة أو لبنان في إطار مظلة نووية إيرانية، فقد يكون الوضع مختلفاً».
بدوره، رأى الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الجنرال احتياط عاموس يادلين، أن إيران تحتاج إلى عام فقط للحصول على قنبلة نووية إذا قررت ذلك.