أسلوب استثنائي اعتمده النظام في البحرين لتخويف المحتجين ضدّه، يعتمد على استراتيجية إنزال أقسى العقوبات بالوجوه المعروفة في القطاعات المختلفة لكي تكون عبرة لغيرها. الرياضيون الذين يحظون بشعبية كبيرة ويعدّون من العناصر المؤثرة في نفوس مواطني المملكة كانوا ضحايا مثاليين للتأكيد على أنه ليس هناك أحد بمنأى عن الاعتقال والتعذيب إذا أراد التظاهر مطالباً بحقوقٍ مشروعة، أقلّها التعبير عن الرأي بحرية. ولذلك فإن الحوادث التي واجهت رياضيين بحرينيين، طوال الأشهر التي تلت التظاهرات في الجزيرة الخليجية، كثيرة. وتفيد تقارير مختلفة بأن نحو 150 لاعباً ومدرباً وحكماً وإدارياً واجهوا أحكاماً بالسجن لفترات مختلفة، منهم من أفرج عنهم بعدما لقيوا نصيبهم من العقاب، ومنهم من لا يزالون قيد الاعتقال بتهمٍ بدت كلها متشابهة وتتلخص بكلمات قليلة: التحريض على النظام.
ورغم محاولة النظام البحريني الظهور وكأنه يفتح صفحة جديدة تجاه ما حصل في البلاد أخيراً، عبر اطلاق سراح معتقلين سياسيين أو اعفاء البعض الآخر من عقوبات طاولتهم في وظائفهم، فإن العديد من الرياضيين البحرينيين لا يزالون في السجن من دون معرفة مصيرهم، بينما بدأت الاحكام تنهال على البعض الآخر لإرسالهم مجدداً إلى السجون، وذلك بحسب ما افاد مركز البحرين لحقوق الانسان.
وأمام هذه التطورات، لا بدّ من أن يأتي الردّ في المضمار نفسه. اذ تنظّم حالياً مجموعات مختلفة تعنى بحقوق الانسان حملة عالمية واسعة تدعو فيها إلى مقاطعة سباق البحرين لسيارات الفورمولا 1 المزمعة اقامته في 22 نيسان المقبل، وهو يشكّل المرحلة الرابعة من بطولة العالم لموسم 2012.
هذه الحملة استندت إلى عنوانين أساسيين في الفترة الأخيرة للارتكاز على دلائل تشير الى مدى الاضطهاد الذي عاناه الرياضيون البحرينيون، فاتخذت من الحكم الذي أصدرته المحكمة الجنائية بحق بطل سباقات السرعة، محمد الخنيزي، بالسجن لمدة سنتين، ومن ما عاناه موظفون في حلبة البحرين الدولية، وقوداً للاستمرار ومواجهة الرأي العام العالمي للحصول على ادانة استمرار الاعتقالات والمحاكمات الجائرة ضد مئات من المحتجين. وبما أن كل قصة لرياضي لوحق على خلفية اتهامه بلعب دور في الاحتجاجات أو لشخصٍ مرتبط بهذا القطاع، تثير الدهشة وتعاطف الكثيرين حول العالم، لم يكن مستغرباً أن تدوس بعض الفرق «على الفرامل» في ما خصّ مشاركتها في السباق المقبل، الذي كان قد غاب عن روزنامة الموسم الماضي بسبب الاضطرابات في المملكة، قبل أن تتم اعادته من دون أن يغفل القيّمون على «الفورمولا 1» مراقبة التطورات الحاصلة، وهذا ما نقلته هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي» أخيراً عن مسؤولي فرق بارزة، أمثال «ريد بُل رينو» بطل الصانعين في الموسم الاخير، وفيراري الذي يحظى بشعبية واسعة في البحرين.
وعبّرت هذه الفرق عن ضرورة تحلي الاتحاد الدولي للسيارات «فيا» بالواقعية في ما خصّ الاستمرار بقرار خوض سباق في البحرين هذه السنة، ما يدلّ على قلقها من الأنباء الواردة من هناك، إضافةً إلى شعور بعضها بضغوط المنظمات الانسانية التي تطالبها بتنفيذ اتفاقيات وقّعت عليها في هذا الاطار. وهنا الحديث تحديداً عن شركة «دايملر» الالمانية التي تزود فريق «مرسيدس جي بي» و«ماكلارين مرسيدس» و«فورس إينديا» بالمحركات في بطولة الفئة الأولى. وكذلك عن شركة «بيريللي» الايطالية التي تزوّد الفرق كلها بالاطارات. فهاتان الشركتان وقّعتا على الاتفاق العالمي (Global Impact) المرتبط بالأمم المتحدة والمرتكز على عشرة مبادئ عالمية تنبذ أي ممارسات تناقض أهداف الأمم المتحدة، وبالتالي فإن ذهابها إلى بلدان تمارس فيها أنشطة قمعية تخالف رؤيتها لممارسة أعمالها في اسواق عالمية تعد بمثابة مخالفة لالتزاماتها الاخلاقية.
وكانت هذه المسألة واضحة في تصريح لرئيس مجلس ادارة «بيريللي» ومديرها التنفيذي ماركو ترونكيتي الذي أكد أن «الشركة العالمية الناجحة لا تصدّر فقط الاستثمارات والتكنولوجيا والمنتوجات والخبرات، بل إنها تقوم بتصدير مسؤوليات اجتماعية أيضاً، وذلك لرفع المستوى الاخلاقي في البيئة الاقتصادية».
وفي اطار حملة المقاطعة، تصدر عنوان «البحرين تستعد لسباق الفورمولا 1 بسجن بطل سباق سيارات السرعة محمد الخنيزي» باللغتين العربية والانكليزية صفحة مركز البحرين لحقوق الانسان على شبكة الانترنت. وأرفق بقصة مؤثرة أخرى لرياضي بحريني سيعيش في أحد اسوأ سجون البلاد لمدة سنتين بتهمة التجمهر والتحريض على كراهية النظام، وذلك بعدما اعتقل للمرة الاولى في 16 أيلول الماضي أثناء مشاركته بتشييع الشهيد سيّد جواد أحمد هاشم، بعدما انهال عليه رجال الامن بالضرب المبرح.
كذلك، نُشرت صور كاريكاتورية عدة احداها يصوّر الملك حمد بن عيسى آل خليفة يقود سيارة للفورمولا 1 ملوّنة بأعلام السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، ومقدّمتها عبارة عن رشاش كلاشنكوف، ويبدو فيها الملك ضاحكاً وهو يطلق النار. هذا الكاريكاتور المعبّر لكارلوس لطوف يتطابق مع مشاهد نشرت على موقع «يوتيوب»، وكانت عبارة عن كليبات تظهر مشاهد من سباق البحرين وأخرى لسيارات الشرطة وهي تطارد المتظاهرين وتقوم بدهسهم عمداً.
حملة كان من شأنها أن تزيد من الضغط على القيّمين على السباق، وهم الذين يعرفون انعكاسات فوائده السياسية والسياحية والاقتصادية على البلاد، التي لا تملك أصلاً حدثاً عالمياً أهم منه، والدليل أن السباق الاخير الذي اقيم عام 2010 أفرز ارباحاً بلغت 295 مليون دولار وخلق 400 وظيفة. وبالتأكيد فإن نجاح الحكومة التي تقوم بتمويل المشروع مباشرةً في التنظيم سيعطيها دفعاً قوياً امام الرأي العام العالمي ويبيّض الصورة السوداء التي ظهر عليها النظام منذ شباط 2011.
صورة يحاول القيّمون على حلبة البحرين تلميعها الآن للتأكيد أن كل شيء أصبح على ما يرام في المملكة، اذ أقرّ المدير التنفيذي للحلبة، الشيخ سلمان بن عيسى آل خليفة، قبل أيام اعادة الموظفين الذين طردوا في وقتٍ سابق بسبب ارتباطهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالاحداث التي حصلت. فمنهم من طرد ونكّل به بسبب ضغطه على كلمة «لايك» على صورة لأحد المعتصمين نشرها في موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي، ومنهم من لقي المصير عينه لمجرد أنه شيعي!
هذا التطرّف المذهبي في التعامل مع الناشطين في القطاع الرياضي يوضحه تقرير خاص لشبكة «ESPN» الاميركية الشهيرة، التي زارت البحرين وأعدت تقريراً خاصاً عن الطريقة الوحشية التي يعامل بها النظام رموز الرياضة في البلاد، منتقدة السياسة الاميركية الداعمة له.
واذ يحذر هذا التقرير ( http://www.youtube.com/watch?v=x45sz4jJmXo) من المشاهد المروّعة التي يتضمّنها فهو يحكي انه «بحلول بداية شهر نيسان اتخذت الحكومة اسلوباً جديداً جاعلة الرياضيين عبرة للباقين»، لافتاً إلى أن أحد ابناء الملك الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، هو رئيس اللجنة الاولمبية البحرينية ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، تم وضعه مسؤولاً من أجل اعتقال ومعاقبة الرياضيين البارزين.
وفي ختام التقرير يحكي المراسل انه «تمّ اطلاق رياضيين بعد سجنهم لثلاثة اشهر لكنهم اجبروا على توقيع اعترافات ومواجهة محاكمات عسكرية سرية».
لكن المدرك لحقيقة الواقع والمتابع عن كثب، يعرف جيّداً أن هناك رياضيين قد لا يرون نور الحياة الطبيعية في وقتٍ قريب او ربما لن يروها ابداً، اذ لا يزالون في دهاليز السجون بتهمة موحدة وجهتها إليهم المحاكم العسكرية وهي التجمهر غير القانوني التي توازي في البلدان المتحضّرة عبارة التعبير عن الرأي بديموقراطية. ومن هؤلاء سيّد هادي ناصر علاوي، وهو مراقب سباقات، حكم بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل أيضاً إلى جانب صالح مهدي وهو لاعب نادي المحرق لكرة السلة المحكوم بالسجن لمدة سنتين، وعلي المولاني لاعب كرة يد اعتقل على نقطة تفتيش بسبب رسالة نصيّة في هاتفه، وقد حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. أما الاخوان محمد وعلي سلمان، لاعبا منتخب كرة اليد، فقد حكم عليهما بالسجن لمدة 15 سنة في قضية اعتداء على مزرعة. بدوره، لاقى محمد علي الفردان لاعب منتخب كرة اليد الشاطئية، نفس عقوبة الاخوين سلمان للتهمة عينها، في حين اتهم محمد ميرزا، بطل جيو- جيتسو، بخطف أحد رجال الأمن، وحكم عليه أيضاً بالسجن لمدة 15 سنة.
ولذلك، فإنه بعد انتقال الصراع بين النظام البحريني ومعارضيه من دوار اللؤلؤة الى حلبة صخير، أصبحت فرق الفورمولا 1 وسائقوها جزءاً من اللعبة بعد انتشار حملة مقاطعة سباق البحرين على نطاقٍ واسع. وبالتأكيد فإن نجاح الحكومة التي تقوم بتمويل المشروع مباشرة، في التنظيم سيعطيها دفعاً قوياً أمام الرأي العام العالمي، وهي التي كانت قد حصلت أصلاً على الدعم من الرجل القوي في سباقات الفئة الأولى مالك الحقوق التجارية البريطاني بيرني إيكليستون الذي أكد اقامة السباق في موعده بقوله: «سنكون هناك إلا في حال حصول شيء رهيب يوقفنا».
إلا أنه تبقى الكلمة الأخيرة، في المساهمة في انجاح حملة لمقاطعة أو افشالها، للفرق والسائقين، ولا سيما أن غالبيتهم لطالما تحدثوا عن أهمية القيم الانسانية. والأكيد أن افكاراً مشتركة تراود بعضهم وهي أنهم لا يريدون أن يصبحوا جزءاً من قوات «درع الجزيرة».



تنكيل واعتقالات

يشير تقرير شبكة «ESPN» الاميركية إلى أن قناة تلفزيونية، تديرها الدولة، حددت هوية اللاعبين المشاركين في الاحتجاجات واتهمتهم بأنهم «خونة وجواسيس»، وبينهم نجم كرة القدم علاء حبيل (أبرز لاعبي المنتخب البحريني وهدافه). وفي اليوم التالي (لإحدى الحلقات التلفزيونية التي شارك فيها حبيل عبر اتصال هاتفي) جاءت القوى الامنية إلى ملعب التدريب، حيث كان حبيل، فتمّ اعتقاله وشقيقه محمد قبل أن يجبرا لاحقاً على مغادرة البلاد وترك عائلتيهما. وبعد مضي يومين، توجهت قوات الامن ايضاً الى حلبة البحرين الدولية، حيث تم اعتقال 27 موظفاً يعملون هناك، جميعهم من الشيعة.
كذلك، عرض التقرير شهادة للطبيبة ندى ضعيف، التي اعتقلت بسبب تقديمها الرعاية الطبية للمصابين. وأشارت إلى رؤيتها ثلاث فتيات كنّ يعملن ضمن كادر الفورمولا 1 وهنّ مضرجات بالدماء والكدمات والالتهابات. كذلك لفتت إلى أنه خلال تعذيبها لاحظت أن المسؤولين عن هذه الممارسات كانوا مع سماع صوت الآذان يتوقفون ويذهبون للصلاة ثم يعودون لإكمال التعذيب».