آفاق التغيير في المنطقة العربية، والهواجس والتبدلات التي أدخلتها الثورات والحركات الاحتجاجية في العالم العربي على المشهد السياسي في كل من تونس والمغرب، إلى جانب ليبيا واليمن وفلسطين ومصر، كانت حاضرة أمس في الجلسة الختامية لمؤتمر «الإصلاح والانتقال إلى الديموقراطية» الذي عقدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «اسكوا» في فندق فينيسيا، بحضور عدد من الشخصيات السياسية العربية واللبنانية. وبينما حرصت المداخلات الرسمية في الجلسة الختامية، التي عقدت تحت عنوان «آفاق المستقبل في المنطقة العربية» على التطرق إلى التأثيرات الإيجابية للثورات على العالم العربي عموماً، مقللةً من وجود تداعيات سلبية مفترضة، وخصوصاً «خطر الحركات الإسلامية»، ركزت مداخلة الحضور على وجود هواجس متعلقة بالحريات الدينية ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن مخاطر تفرد القوى السياسية التي وصلت حديثاً إلى السلطة بالقرار لتعيد إنتاج ديكتاتوريات جديدة.
البداية كانت مع وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام، الذي أكد «أن ما جرى في تونس ومن بعده في عدد من الدول العربية يشير بوضوح إلى أن الاتجاه الديموقراطي هو الغالب على المستقبل». أما المطلوب الآن فيتلخص، من وجهة نظر عبد السلام، «في تحقيق الاستقرار السياسي والمضي قدماً في تأسيس الشرعية الديموقراطية بعدما نجحت تونس في اجتياز المرحلة الأولى من الثورة وإدارة العملية الانتقالية من خلال الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية السياسية».
ورغم إقراره بأن المسيرة الديموقراطية معقدة، أكد وزير الخارجية التونسي أن «المخاوف من التعثر في تونس غير مبررة، لأن الحكومة التونسية ائتلافية، فضلاً عن أن الطبقة السياسية تجمع على وجود مكتسبات وحقوق يجب تعزيزها، وفي مقدمتها الحقوق المدنية والسياسية». كذلك شدد على أنه لا حلول سحرية لمعالجة كل المشكلات التي تعانيها تونس، ما يمثّل أحد التحديات الأساسية، وخصوصاً أن بعض القضايا تتطلب معالجات جادة.
أما الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، فرفض استخدام مصطلح «الربيع العربي»، متحدثاً عن «حركة التغيير العربية». وأشار إلى أن «الشرارة التي انطلقت من تونس وتفاعل معها الناس، تطرح واقعاً عربياً مختلفاً»، مؤكداً أن ما جرى سيكون له تأثيره على مستقبل الجامعة العربية وأي منظمة إقليمية أخرى في المنطقة. وبعدما أشار إلى وجود سياستين في المنطقة الإقليمية، الأولى لينة تتحرك بسهولة في المنطقة تمثلها السياسة التركية في مقابل أخرى خشنة تتحرك بشدة هي السياسة الإيرانية، شدد على أنه «مهما كان الزخم التركي أو الإيراني، فإن زعامة العالم العربي لن تكون إلا لعربي». وقلل من خطر سيطرة الإسلاميين على الحكم، مشيراً إلى أن الحركة الإسلامية الحالية تميل نحو الاعتدال، فضلاً عن تأكيده أن المرجعية الأساسية لحكم البلاد هي الدستور.
أما رئيس الوزراء اليمني السابق، عبد الكريم الأرياني، فرأى في مداخلته أن الحركة الشبابية في اليمن أرست تغييراً غير قابل للتراجع، متوقعاً إدخال تغييرات على طبيعة النظام السياسي في المرحلة المقبلة. أما السفير المغربي في لبنان، علي أومليل، الذي تطرق إلى مستقبل الحراك السياسي في المغرب، فحرص على تعداد الإصلاحات التي قام بها الملك المغربي محمد السادس لمواكبة مطالب التغيير. وخفف من وطأة فوز الإسلاميين بقوله إن «التحدي الأساسي الذي ستواجهه هذه الحركات ليس القضايا الإسلامية بل الاقتصاد الذي يأتي في المرتبة الأولى».
من جهتها، ركزت القاضية الليبية، نعيمة جبريل، على أهمية تعزيز دور المرأة الليبية في عملية صنع القرار، مذكرة بالدور المحوري الذي أدته في التمهيد للانتفاضة الليبية.
أما فلسطين فكان لها نصيبها في النقاش، من خلال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، الذي أكد أن التبدلات التي شهدتها الساحة العربية كان لها تأثير إيجايي على القضية الفلسطينية بشكل أو بآخر، وبينها الدفع نحو تحقيق المصالحة. وأكد أن ما يجري في العالم العربي سيفتح الأفاق لتضامن أوسع مع فلسطين؛ لأن إرادة الشعوب العربية تتحرر من قمع أنظمة كانت تمنعها من التضامن مع القضية الفلسطينية.
(الأخبار)