تنافس الملفّان الأمني والسياسي، المترابطان أصلاً، على صدارة المشهد العراقي العام في اليومين الماضيين؛ فبين استمرار استهداف المواطنين بالعبوات الانتحارية، التي حصدت نحو 190 قتيلاً وجريحاً في البصرة وحدها أول من أمس، ظل الفشل سيد الموقف في المساعي الهادفة إلى حل الأزمة السياسية الكبيرة، التي بات نائب الرئيس طارق الهاشمي رمزاً لها. وعلى وقع الفشل المستمر في هذا الملف، شهر رئيس الحكومة نوري المالكي أسلحته الثقيلة ضد تركيا و«تدخلها في الشؤون الداخلية للعراق»، وسط مسارعة أميركية للالتقاء بحكام بغداد، ربما لاحتواء الموقف المتأزم على جميع جبهات العراق ما بعد الاحتلال الأميركي. وقد أدى تفجير انتحاري إلى مقتل 53 شخصاً في البصرة جنوب العراق، وجرح 137 آخرين، حين كان نحو 15 مليوناً من الزوار الشيعة يختتمون زيارة أربعين الإمام الحسين في كربلاء. ويعد هجوم السبت الأسوأ منذ سلسلة اعتداءات الخامس من الشهر الماضي، التي استهدفت بغداد، حيث قضى 70 شخصاً.
وفي ظل التطوُّر الأمني الدموي، شهدت محافظة الأنبار أمس حدثاً ميدانياً بارزاً، تمثل في تمكن مجموعة مسلحة تستخدم أحزمة ناسفة من اقتحام مبنى شرطة مكافحة الإرهاب في مدينة الرمادي، ما أدّى إلى مقتل ستة اشخاص على الأقل. وكانت الشرطة قد أعلنت في وقت سابق أن المسلحين يحتجزون رهائن داخل المبنى، وأن مصيرهم لم يتضح على الفور. وأوضحت الشرطة أن أحد المسلحين فجّر نفسه، بينما قُتل الآخر برصاص الشرطة. وفي وقت لاحق، تمكّنت الشرطة من استعادة السيطرة على مبنى مكافحة الإرهاب، ومبنى آخر بعدما «قتل بعض الإرهابيين بينما تمكن آخرون من الفرار».
سياسياً، أنهى قادة الكتل السياسية العراقية اجتماعهم التحضيري للمؤتمر الوطني الموسع المزمع عقده للبحث عن حلول للأزمة السياسية في البلاد، من دون التوصل الى نتائج ملموسة، بحسب «مصادر مطلعة»، كشفت أن الاجتماع، الذي عقد في مقر الرئيس العراقي جلال الطالباني وبرئاسته وبحضور رئيس الوزراء نوري المالكي، ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، «لم يتمخض عن نتائج ملموسة، واقتصر على طرح تصورات عامة للكتل السياسية بشأن مكان وزمان انعقاد المؤتمر الموسع، والمواضيع التي ستدرج على جدول أعماله».
وعقد الاجتماع التحضيري للمؤتمر الوطني بمشاركة خمسة من أعضاء التحالف الوطني العراقي، هم همام حمودي وابراهيم الجعفري وبهاء الأعرجي وعمار طعمة وحسن السنيد، بينما شارك فيه من «القائمة العراقية» سلمان الجميلي وأحمد المساري وحسين الشعلان، ومثل التحالف الكردستاني كل من روز نوري شاويش وفؤاد معصوم، بغياب رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وإياد علاوي. وكانت مصادر عراقية قد أكدت أن الاجتماع جرى التمهيد له بسلسلة من اللقاءات والمداولات مع رؤساء الكتل السياسية، وكذلك مع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز والسفير الأميركي لدى العراقي جيمس جيفري.
وكان بيرنز قد التقى المالكي، أول من أمس، لبحث «الوضع السياسي» في البلاد، قبل أن يجتمع الأخير مع كل من الطالباني وإياد علاوي ومسعود البرزاني، بحسب ما أفاد متحدث باسم السفارة الأميركية في بغداد.
وعلى هامش قضية الهاشمي، ردّ مجلس القضاء الأعلى طلب نائب الرئيس الملاحَق قانونياً بنقل أوراق الدعوى القضائية المقامة ضده من بغداد إلى كركوك، وقرر النظر فيها «أمام محاكم بغداد حصراً». وقال المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى، عبد الستار البيرقدار، «نظرت الهيئة العامة في محكمة التمييز المكونة من 19 قاضياً بطلب نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بنقل الدعوى المقامة ضده وضد أفراد حمايته من بغداد إلى كركوك، وأصدرت قرارها برد الطلب وإبقاء الدعوة في بغداد».
في هذا الوقت، انتقد المالكي «بشدة، التدخلات التركية» في شؤون بلاده، محذراً من خطورة نشوب صراع طائفي قد يؤدي إلى «كارثة لا تسلم منها تركيا نفسها، لأن فيها مكونات مختلفة، وستؤثر في العراق والمنطقة». وقال المالكي، في لقاء مع فضائية «الحرة» الأميركية، «ما كنا نعتقد أن هناك ما ينبغي أن تكون أزمة بين العراق وتركيا، لكننا نعلم بوجود تدخل، وفي الآونة الأخيرة وعلى نحو مفاجئ، ارتفعت وتيرة التدخل، وأصبح الحديث عن العراق كأنه تحت سيطرة أو توجيه إو ادارة الدولة الأخرى»، في اشارة الى تركيا.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)