المكلا | عند دخول تنظيم «القاعدة» المكلا في بداية نيسان من العام الماضي، أدت المواجهات إلى تدمير العديد من مؤسسات الدولة، وأخرى تعمّد التنظيم نسفها أو نهبها، كالبنك المركزي الذي نهب كل مدخراته (تزيد على 27 مليار ريـال يمني ومبالغ أخرى من العملات الأجنبية) وديوان عام المحافظة وإذاعة المكلا، فضلاً عن كامل المؤسسات الأمنية والمعسكرات.
واتخذ «القاعدة» بعضاً من تلك المؤسسات محاكم ومقارّ إدارية وأمنية ومالية له، فيما شلّت مختلف الإدارات الأخرى. بعض الوحدات الإدارية عادت إلى العمل بنصف طاقتها «بغرض تسيير أمور الناس». وأعيد بعض المرافق التربوية والصحية والخدمية الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات إلى العمل من أجل تقديم الحد الأدنى من الخدمات للأهالي، عبر كيان وسيط أنشأه التنظيم عشية إعلان «إمارته الإسلامية»، وهو «المجلس الأهلي» الذي يتألف من عناصر محليين مقرّبين من التنظيم.
مصدر الدخل الأساسي يتمثل في الضريبة على المحروقات

وأوكلت إلى هذا المجلس مهمة إدارة شؤون الناس اليومية، فأجرى اتصالات مباشرة بوجهاء المجتمع المحلي، وبجهات داخلية وخارجية مختلفة، حيث زار رئيسه عمر بن الشكل الجعيدي السعودية لمدة شهر، حيث التقى مع مسؤولين فارّين من جماعة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، أبرزهم اللواء علي محسن الأحمر، ومع ضباط استخبارات سعوديين وشخصيات دينية ومالية أخرى. إلا أن هذه «الواجهة» فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الهدف الذي أراد التنظيم تحقيقه من إنشائها، لذلك عدل عنها أخيراً باستبدال كيان جديد بها، سمّاه «الهيئة الإدارية».
استطاع التنظيم أن يوفّر موارد مالية يومية ثابتة، ونجح في إيجاد مصادر دخل كبيرة نسبياً مقارنةً بوضع المنطقة، فأعاد السماح بدخول القات وتعاطيه في «الإمارة»، مقابل فرض ضريبة مضاعفة عليه. واستخدم طريقة المقاولة الجمركية في ميناء المكلا، أي عبر فرض مبلغ مئتي ألف ريـال يمني على كل حاوية تدخل بغضّ النظر عن محتوياتها. وحصل أحياناً على مبلغ مقطوع، كفرض مليوني ريـال، مثلاً، مقابل شحنة باخرة تجارية كاملة (من الحجم الصغير الذي يستوعبه الميناء).
هذه الطريقة وفّرت أموالاً طائلة للتنظيم، وقد استحسنها التجار واستغلوها بطريقتهم، حيث شهد الميناء نشاطاً غير عادي لم يسجل منذ تاريخ إنشائه.
وأخيراً، هدّد التنظيم بإغلاق بعض مكاتب شركات الاتصال الأربع العاملة في البلد، وألزمها بدفع عشرات الملايين من الريالات كضرائب مستحقة. ونشط في جباية الضرائب في حالات مماثلة، إلا أن مصدر دخله الأساسي يتمثل في الضريبة على المحروقات، حيث أضاف مبلغ 40 ريـالاً على كل ليتر. هذا المورد وحده يوفر دخلاً يومياً يقدر بنحو 400 إلى 500 مليون ريـال، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن حضرموت قبيل العدوان كانت تستهلك مليوناً وسبعمئة ألف ليتر ديزل (مليون ليتر للساحل وسبعمئة ألف ليتر للداخل)، ويقابله تقريباً الرقم نفسه بالنسبة إلى البترول.
وبعد تشكيل «الهيئة الإدارية» الجديدة التي أوكل إليها «القاعدة» مهمات إدارة شؤون «الإمارة» اليومية، اختار أعضاء لها، أكثر قبولاً من شخوص «المجلس الأهلي» المنحلّ، وصرف لها ميزانية تقدّر بسبعمئة مليون ريـال. وأتبع ذلك حملة دعائية ضخمة لمعالجة جزء من الاختلالات الخدمية الملحة، في حين أن هذا المبلغ لا يعادل دخل التنظيم في يوم واحد من موارده المختلفة.
ولا بد من الإشارة إلى أن التنظيم ليس لديه أي التزام تجاه موظفي الدولة في المرافق الإدارية والخدمية المختلفة داخل نطاق «إمارته»، فرواتبهم تُدفع من البنك المركزي في سيئون.
إلى ذلك، سُجّل تدنٍّ رهيب في الخدمات الأساسية، كالنظافة والصرف الصحي والمياه والاتصالات والخدمات الصحية، وبلغت ذروتها في الكهرباء، حيث وصلت معاناة سكان المكلا في الصيف الماضي إلى حد لا يطاق. وثبتت ساعات انقطاع التيار الكهرباء على 12 ساعة (مضافة إليها 2 إلى 3 ساعات ليلاً)، أحياناً بسبب نقص وقود المازوت اللازم لتشغيل محطة كهرباء الريان التي تغذي المكلا وكامل مديريات ساحل حضرموت، أو لأسباب فنية أخرى عديدة.
وبلغت المأساة أقصاها عندما ضرب إعصار شابالا مدينة المكلا وبعض المناطق اليمنية الأخرى. يومها عطلت الفيضانات جزءاً كبيراً من شبكات الصرف الصحي في المدينة، وأصبحت أحياء شعبية كبيرة، كحيّ الديس، تسبح فوق مستنقع من مياه الصرف الصحي، ما سبّب كارثة بيئية.