بدايات النهاية: كثير من يوشي
لا يوجد أحد هناك. قلبت الدار بعدما دخلته. بحثت فوق الكرسي، قربه وتحته. لم أجد أحداً. بحثت فوق الطاولات وتحتها، في الخزائن المفتوحة والمغلقة أيضاً، فتحتها. وأيضاً لم أجده. لم أكتف بذلك، فبعدما خرجت من مكانه المفضّل، ذهبت إلى كل الأماكن التي قد يذهب إليها. فتحت كتاب الصوّر وأدرت جهاز التلفاز ولم أر صورته. رميت أذني على الطرق وأدرت المذياع ولم أسمع صوته. انتظرت من الأقلام حرفاً أو من الأنباء نبأ وهذه النتيجة: أقف الآن أمامك فارغ اليدين. «يجب أن نجده بأي طريقة، بأي ثمن. يجب أن يدفع ثمن أعماله».
سيّدي أنا متأكّد أنّ هناك خطأ ما.
«ليست هناك أخطاء. كل شيء مدروس على أسس ثابتة ولا مجال للخطأ فيها. أنطارد خيالاً؟!»
نحن في حالة مرضيّة يا سيدي. تارة ننفي وجوده وتارة نؤكّد أنه السبب. «يا يوشي، نحن لا نهتمّ إلّا بالنتائج، يجب أن تدرك هذا». أي نتائج تتحدّث عنها؟ صديقي إرييل عاد من لبنان مباشرة إلى مستشفى الأمراض العقلية! أصبح يرى أشباحاً وأموراًُ لا يتخيلها طفل! أموس قتل زوجته وطفليه! «يا يوشي، لماذا تنظر دائماً إلى الجانب المظلم من الأمور؟ ألم تر ماذا فعلنا في غزة؟!!». لا لم أر! ماذا فعلنا هناك؟! قتلنا ما نقدر عليه دون أن نرجّح كفة ميزاننا! أهذه هي نتائج هذه الأيام؟ أأصبحنا لا نحصي الأموات من جنودنا ونتعامل مع هذا الأمر في نفوسنا كما نتعامل به مع وسائل الإعلام؟! أخبرني أين معنويات دولتنا؟ أين شاليط والباقون؟
«يوشي أنت تعب هذه الأيام، خذ قسطاً من الر..
منذ 63 سنة وأنا تعب! «لا تدع جولة في معركة تؤثّر عليك». أي جولة هذه التي تتحدث عنها؟ جولة الموت المخيّم حولنا من يدي فارس عودة عندما يصيبنا بحجره! ألم تر كيف اصبح جنودنا يهربون من الأطفال والنساء؟!
«دعك من هؤلاء الجنود وأخبرني، هل انت خائف؟؟».
سيدي أنا أعيش حياة واحدة، فقدت العديد من اصدقائي في «إسرائيل» الأكذوبة هذه. وأصبحت أرى الموت حولي دائماً. أنا أبالي بالحياة ولست مثل العرب الذين يحبّونها حباً جماً ولكنهم لا يكترثون لفقدانها! وبما أنني أكثر ضباطكم نباهة وذكاءً فذّاً كما تقولون، فأنا مدرك أنه في وقت ما سيظهر المختفي فجاءة ليصنع العجائب. سأترك فلسطين للفلسطينيين وسأعود إلى بولونيا لعلني أجد الأمان من جديد. وكذلك ستفعل فرقتي كلها. فالرائد سيعود إلى اميركا، كما المعاون وثلاثة من الجنود الى روسيا...

* كتبت في فترة العدوان على غزة حيث كان العدوّ يحاول كسر المقاومة

** شاهد عيان (من أعضاء كتيبة 5)- مخيم برج البراجنة

■ ■ ■

وفي الختام أحرّ السلام

ها هم الصهاينة قد بان أصلهم الجبان، ها هو العرق يتصبّب من جبين كلّ واحد منهم، وها هو ضابطهم الأكثر ذكاءً وحنكةً يهرب منّا ويعود هو وفرقته من حيث أتوا.
أتدرين (يا مرة)؟ فقط لو أن الجميع يؤمن بجبن الصهاينة وأنّ اعتداءاتهم ما هي إلّا مجرّد تمويه لهروبهم من بلادنا، ويتصرّفون على هذا الأساس من الايمان؟ لكنّا عدنا إلى أرضنا منذ زمن. ها نحن في الشتات ننظر إلى جهة واحدة بعينٍ دامعةٍ، وبأملٍ كبيرٍ بالعودة والتحرير. هناك من هو مختبئ تحت الارض حتّى يحين أوان خروجه للعلن ليفرض التحرير والإيمان بأرض فلسطين. «وكيف لك أن تتوقّع لهم أن يؤمنوا بهذا وأكثرهم يركضون وراء من يخدعونهم كلّ يوم، وراء من باعوا الأرض بتراب المصاري (يا زلمي)؟ ألا ترهم، في الأردن؟ (كاعدين) يتفاوضوا مع أعدائنا على طاولة واحدة (من غير ما يستحوا ع حالهم)؟! لقد أعادوا إلى ذاكرتي تلك «التمثيليّة» الّتي كانت تعرض على إذاعة «صوت العرب» أيّام الستّينات... لا أذكر اسمها...» آه، آه، تذكّرتها ، أغنيتها مممم، ذكّريني!!
«عوّاد باع أرضه يا ولاد شوفوا طوله وعرضه يا ولاد، يا ولاد غنّوله يا ولاد على عرضه وطوله يا ولاد، يا أرضنا يا جنّه مفروشة ورد وحنّا عواد بقاش منّا عوّاد ما عاد عوّاد
الأرض أرضنا من أبونا وجدّنا وبكرا ولّا بعده لعيالنا بعدنا عوّاد باع أرضه....»
هاهاها... (اه والله) إنّها تنطبق عليهم...
مع هذا يا (بنت الحلال)، يوجد الكثير الكثير من النّاس، شباب، صغار وكبار لا يرضون عن هذا (اللي كاعد يصير)، وأنا أرى أنّها البداية للنهاية، وسنرجع أراضينا بالسلاح.
«(من تمّك لباب السّما)» بكلّ الأحوال الثورة الفلسطينيّة هيّ دائماً الطريق. «النار النار من غزّة، من غزّة من جبل النار، والثار الثار يا ولادي يا ولادي هوّ المشوار، خلّ المدفع نار مولّع ليل ما تخلّ نهارهم يطلع يا فدائي يا فدائي»
لقد عدنا إلى أغاني الماضي لنعبّر عن الحاضر. لم يبق سوى أن نغنّي للشيخ إمام... واه يا عبد الودود... المهم بآخرها «وفي الختام أحرّ السلام».

تانيا نابلسي- مخيّم البدّاوي