لا تكاد تل أبيب تفوت فرصةً للتبجح بالإيحاء بأنها تقف وراء عمليات التفجير والاغتيال والهجمات الإلكترونية التي يتعرض لها المشروع النووي الإيراني، لكنها سلكت نهجاً آخر البارحة من خلال إقدامها على نفي ضلوعها في عملية الاغتيال الأخيرة التي طاولت العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشن. لعل أبرز المواقف الإسرائيلية ما أعلنه الرئيس شمعون بيريز، بقوله خلال مقابلة مع محطة «سي أن أن» الناطقة بالإسبانية، إن إسرائيل «على حد علمي» ليست مسؤولة عن الاغتيال، مشيراً إلى أن اتهامها والولايات المتحدة «بكل شيء يحصل في إيران هو موضة، وليس هناك جديد في هذا الأمر».
بالرغم من ذلك، سجل بيريز جديداً عبر تصريحه هذا، هو مسارعة تل أبيب إلى نفي الاتهامات الإيرانية، وهو ما كانت تعرض عنه في الماضي، أو تتطرق إليه بشيء من التهكم.
الجديد الإسرائيلي أعقب نفياً قاطعاً وإدانة شديدة من قبل الإدارة الأميركية لعملية الاغتيال، وهو ما أثار ـــــ بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية ـــــ حفيظة تل أبيب، التي شعرت بأنها تُركت وحيدة في ساحة المواجهة أمام طهران. ذلك رغم أن الولايات المتحدة كانت تعتمد سياسة عدم التعليق في أعقاب عمليات الاغتيال الأربع التي استهدفت علماء ذرة إيرانيين خلال العامين الأخيرين، وكانت تكتفي بالاقتراح على الإيرانيين عدم توجيه الاتهام إلى الآخرين والتوقف عن المضي قدماً في تطوير برنامجهم النووي.
بناءً على ذلك، من المرجح أن الموقف الأميركي المستجد كان محور المحادثة الهاتفية التي دارت بين كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليل الأربعاء، والتي أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنها تناولت عملية السلام في الشرق الأوسط، وكذلك «جهود وقف المشروع النووي الإيراني». وبحسب الصحف الإسرائيلية، أكد أوباما خلال المحادثة التزامه بأمن إسرائيل، رداً على تأكيد نتنياهو أن أمنها يستلزم عدم تحول إيران إلى قوة نووية. والواضح أن الوعيد الإيراني أثار قلقاً إسرائيلياً، عكسته عناوين بعض الصحف، مثل «يديعوت أحرونوت»، التي أشارت في صفحتها الأولى إلى أن المحادثة بين أوباما ونتنياهو تلت تهديدات مسؤولين إيرانيين بالاقتصاص من مرتكبي الجريمة. وكذلك فعلت «معاريف» التي عنونت بالخط العريض: «إيران تهدد بالانتقام من إسرائيل».
كما أن موقع «واللا» الإخباري الإسرائيلي، نقل عن مصدر أمني رفيع قوله إن المؤسسة الأمنية في إسرائيل تتابع بحذر التهديدات الإيرانية، وتتعامل بجدية معها. ومن غير المستبعد أن يكون هذا القلق الإسرائيلي، وخشية تل أبيب من الرد الإيراني، الذي توعد به أعلى مستوى قيادي في طهران، هما ما يفسر مبادرة إسرائيل إلى نفي مسؤوليتها عن الاغتيال على لسان بيريز.
وفي سياق متصل، قالت صحيفة «هآرتس» أمس إن ضباط الجيش الإسرائيلي لا يشاركون وزير الدفاع، إيهود باراك، تحذيراته العلنية من وصول إيران إلى امتلاك القدرة النووية قريباً. وكشف محلل الشؤون الاستراتيجية في الصحيفة، أمير أورن، أن الصياغة الحرفية المُحكمة لتقدير الجيش بهذا الشأن هي على النحول الآتي «من المحتمل أن تحصل إيران على قدرات نووية تنفيذية في غضون خطة (الجيش الإسرائيلي) المتعددة السنوات»، التي من المفترض أن تمتد بين عامي 2013 و 2018، وإذ أشار الكاتب إلى أن التقدير صيغ بعبارة «من المحتمل» لا «من المؤكد »، على أن هذا الاحتمال لن يتحقق في العام الحالي في كل الأحوال، رأى أن مغزاه يعني أن الطريق إلى عملية إسرائيلية أو أميركية كبيرة ضد إيران لا تزال طويلة.
وكشف أورن أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، رغم تقديرها الضمني، عملت على تغيير صيغة العرض العلنية لهذا التقدير، بحيث إنها «كانت شريكة في إقناع جهات أجنبية، وعلى رأسها الأميركيون، بعدم الاكتفاء بسياسة الردع والاحتواء» في مواجهة إيران.