في خطابه الرابع منذ بدء الأزمة في سوريا، أكد الرئيس بشار الأسد أنه لن يغلق الباب «أمام أي مسعى عربي للحلول والاقتراحات ما دام انه يحترم سيادة سوريا»، ملقياً باللائمة على «مخططات خارجية» في تصعيد الاحتجاجات المستمرة منذ عشرة اشهر في سوريا، وتعهد بالعمل على تحقيق الاصلاح و«ضرب الارهابيين والقتلة بيد من حديد». الاسد، وبعد مضي اكثر من نصف عام على خطابه الأخير، قال انه يرحّب بفكرة توسيع الحكومة لتشمل «جميع القوى السياسية». وأشار الى احتمال إجراء استفتاء على دستور جديد لسوريا في آذار المقبل، تليه انتخابات تشريعية في ايار او حزيران. وأكد الرئيس السوري ان «انتخابات مجلس الشعب مرتبطة بالدستور الجديد وتعطي الوقت للقوى (السياسية الجديدة) لتؤسس نفسها (...) والجدول الزمني مرتبط بالدستور الجديد». وقال الأسد، في خطاب ألقاه امس في جامعة دمشق، «بعدما فشلوا في كل محاولاتهم لم يكن هناك خيار سوى التدخل الخارجي، وعندما نقول الخارج عادة يخطر ببالنا الخارج الأجنبي، مع كل أسف أصبح هذا الخارج مزيجاً من الأجنبي والعربي، وأحياناً وفي كثير من الحالات يكون هذا الجزء العربي أكثر عداء وسوءاً من الجزء الأجنبي». وأردف: «لا أريد التعميم، هناك دول حاولت خلال هذه المرحلة أن تلعب دوراً أخلاقياً موضوعياً تجاه ما يحصل في سوريا، وهناك دول بالأساس لا تهتم كثيراً (...) يعني تقف على الحياد في معظم القضايا، وهناك دول تنفذ ما يطلب منها. الغريب أن بعض المسؤولين العرب معنا في القلب وضدنا في السياسة، وعندما نسأل لماذا؟ يقول أنا معكم ولكن هناك ضغوطاً خارجية. يعني هو إعلان شبه رسمي بفقدان السيادة. ولا نستغرب أن يأتي يوم تربط الدول سياساتها بسياسات دول خارجية على طريقة ربط العملة بسلات عملات خارجية، وعندها يصبح الاستغناء عن السيادة أمراً سيادياً». وأضاف «الغرب مهم لكنه لا يزال استعمارياً ولم يتغير، لذلك توجهنا شرقاً»، معتبراً أن «ما قدم لنا من دول خاضعة لا يبشر بالخير»، ورأى «أن كل من يساهم في الفوضى الآن شريك في الإرهاب (...) ولا نستطيع أن نكافح الإرهاب من دون أن نكافح الفوضى فكلاهما مرتبط».
وخاطب الاسد من سماهم أعداء بلاده قائلاً «خسئتم لست أنا من يتخلى عن المسؤولية لا في الأزمات ولا في الأحوال العادية، وأنا لا أسعى الى منصب، ولا أتهرب من المسؤولية، وأنا أستمد قوتي من الدعم الشعبي، وهذه المعركة لم تزدنا إلا صلابة». واضاف انه يعمل في آن واحد على «الاصلاح السياسي ومكافحة الارهاب الذي انتشر بشكل كبير في سوريا»، مشيراً الى ان هذا الاصلاح سيفشل اذا كان جزءاً من الازمة، قائلاً «لا نبني الاصلاح على الأزمة، واذا بنيناه فسنعطي للقوى الخارجية الحق لكي تتدخل في ازمتنا تحت مبرر الاصلاح».
وهاجم الاسد بعض الدول في الجامعة العربية وخفّف من اهمية تعليق عضوية سوريا في الجامعة، متسائلاً هل تخسر سوريا ام تخسر الجامعة من هذه المقاطعة؟ وكرر قول الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بأن سوريا هي قلب العروبة النابض «فهل يمكن للجسد ان يعيش بدون قلب». وقال ان الجامعة بلا سوريا تصبح عروبتها معلّقة.
وأضاف الرئيس الأسد: إن كانت الأحداث «كلفتنا حتى اليوم أثماناً ثقيلة أدمت قلبي كما أدمت قلب كل سوري، فإنها تفرض على أبناء سوريا مهما كانت اتجاهاتهم وانتماءاتهم أن يتخذوا سبيل الحكمة والرشاد وأن يستنيروا بإحساسهم الوطني العميق كي ينتصر الوطن بكليته بتوحدنا وتآخينا وسموّنا عن الآفاق الضيقة والمصالح الآنية». وتابع: «صبرنا وصابرنا في معركة غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث، فما ازددنا إلا صلابة، وإن كانت هذه المعركة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة وتحديات مصيرية فإن الانتصار فيها قريب جداً ما دمنا قادرين على الصمود واستثمار نقاط قوتنا، وما أكثرها، ومعرفة نقاط ضعف الخصوم وهي أكثر».
وشدد على أن «التآمر الخارجي لم يعد خافياً على أحد لأن ما كان يخطط في الغرف المظلمة بدأ يتكشف أمام أعين الناس واضحاً جلياً. لم يعد الخداع ينطلي على أحد إلا على من لا يريد أن يرى ويسمع، فالدموع التي ذرفها على ضحايانا تجار الحرية والديموقراطية لم تعد قادرة على إخفاء الدور الذي لعبوه في سفك الدماء للمتاجرة بها».
وقال الرئيس السوري «لم يكن من السهل في بداية الأزمة شرح ما حصل، لقد كانت الانفعالات وغياب العقلانية عن الحوار بين الأفراد هي الطاغية على الحقائق، أما الآن فقد انقشع الضباب ولم يعد بالإمكان تزوير الوقائع والأحداث من قبل الأطراف الإقليمية والدولية التي أرادت زعزعة استقرار سوريا».
وقال الاسد «بحثوا في البداية عن الثورة المنشودة فكانت ثورتكم ضدهم وضد مخربيهم وأدواتهم، هبّ الشعب منذ الأيام الأولى قاطعاً الطريق عليهم.. فاستخدموا سلاح الطائفية المقيت بعدما غطوه برداء الدين الحنيف. وعندما فقدوا الأمل بتحقيق أهدافهم انتقلوا إلى أعمال التخريب والقتل (...) وبعد تجريب كل الطرق والوسائل الممكنة في عالم اليوم مع كل الدعم الإعلامي والسياسي الإقليمي والدولي لم يجدوا موطئ قدم لثورتهم المأمولة».
وقال الرئيس السوري «الحقيقة هى انها ذروة الانحطاط بالنسبة للوضع العربي» لكن «ما نراه من سياسات رسمية لا يعكس نهائياً ما نراه على الساحات الشعبية في العالم العربي».
وأضاف: «السؤال الأساسي الذي طرح معي بشكل مكثف يبقى: متى وكيف تنتهي الأزمة، وطبعاً هذا سؤال صعب ولا نستطيع أن نعطي جواباً من دون معطيات، وهناك أشياء نعرف معطياتها وهناك أشياء لا نعرفها، وأول نقطة.. لا نعرف معطيات تحديداً، ولكن نستطيع أن نستقرئ.. فالمؤامرة تنتهي عندما يقرر الشعب السوري أن يتحول إلى شعب خانع وعندما نخضع ونتنازل عن كل تراثنا».
(الأخبار، سانا، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)