رأت اللجنة الوزارية العربية المكلفة الملف السوري، في ختام اجتماع لها في القاهرة، أمس، أن الحكومة السورية نفذت «جزئياً» التزاماتها للجامعة العربية، وأن استمرار عمل بعثة المراقبين العرب «مرهون بتنفيذ الحكومة السورية الفوري لتعهداتها، التي التزمت بها بموجب خطة العمل العربي وإلا أصبح وجودها لا يخدم الغرض الذي أنشئت من أجله». وعلى عكس ما تم الترويج له، عقب زيارة وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، لنيويورك، لم توص بانضمام مراقبين تابعين للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الى بعثة المراقبين العرب، واكتفى بيان اللجنة بدعوة الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الى «مواصلة التنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل تعزيز القدرات الفنية لبعثة مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا». مصادر دبلوماسية عربية أفادت بأن رئيس بعثة المراقبين العرب الفريق السوداني محمد أحمد مصطفى الدابي قدم خلال الاجتماع «عرضاً لمجريات الأمور أمام اللجنة العربية يمكن وصفه بأنه كان عرضاً موضوعياً، حيث أقر بتعاون كامل من قبل الحكومة السورية وباستجابتها لمعظم طلبات المراقبين العرب». وأضافت إن «الدابي أقر بوجود مسلحين في كثير من المناطق في سوريا، وبأن هؤلاء يسيطرون على بعض المناطق سيطرة كاملة، في تأكيدات كذّبت الروايات السابقة للموفدين العرب، وخاصة القطريين الذين عملوا خلال الفترة الماضية على نفي وجود أي مسلحين في سوريا». وتابعت إن «الدابي، الذي أكد للجنة أنه هو الموجود على الأرض وهو الأدرى بما يجري في سوريا، حذر من نقل الموضوع إلى الأمم المتحدة، مطالباً بزيادة أعداد المراقبين وبزيادة الميزانية المخصصة لهم، وباستمرار عمل البعثة»، مشددة على أن «عرض الدابي خلق جواً إيجابياً قطع الطريق على محاولات (رئيس وزراء قطر الشيخ) حمد بن جاسم، نقل الموضوع إلى الأمم المتحدة».
وقالت المصادر نفسها إن «كلام الدابي يبدو أنه لم يُعجب حمد. وعندما عادت اللجنة إلى الاجتماع وحدها، استطاع الوزير القطري، وبدعم من الدول الخليجية المشاركة في اللجنة، الخروج بالبيان الذي صدر والذي لا يعكس الأجواء الإيجابية التي حاول الفريق الدابي نقلها، وذلك بعدما دفع باتجاه الذهاب بالاجتماع إلى المراحل الأولى، إلى ما قبل توقيع سوريا على البروتوكول».
مصادر أخرى وثيقة الاطلاع على ما دار في الجلسة الثانية للجنة تقول إنه «كان هناك تنسيق مصري جزائري واضح يريد أن يعطي بعثة المراقبين الفرصة. معروف أن مهمة اللجنة شهر واحد ينتهي في 19 الجاري قابل للتجديد، حتى إن الدابي استنكر استدعاءه وعقد الاجتماع اليوم (الأحد) قبل انتهاء مدة عمل البعثة». وتضيف إن «المصري والجزائري قاما بدور مهم في كبح جماح حمد، ساعدهم في ذلك نبيل العربي»، موضحة أن «نقاشاً جرى على خلفية مطالبة حمد بطلب دعم الأمم المتحدة، فتدخل العربي قائلاً إن موضوعاً كهذا سبق أن بحثه مع (وزير الخارجية السوري وليد) المعلم قبل التوقيع على البروتوكول، وأن المعلم أبلغه بأن دمشق لن تقبل أبداً بشيء من هذا القبيل»، مشيرة إلى أن سجالاً دار بين حمد، الذي دفع باتجاه إعلان فشل مهمة المراقبين العرب، وبين زميليه المصري والجزائري اللذين رفضا هذا الأمر على قاعدة أن الحكومة السورية تتجاوب مع البعثة، وبالتالي يجب إعطاؤها الفرصة والوقت الكافي لإنجاز مهمتها». وأضافت إنه «عندما طُرح موضوع الصحافة الأجنبية وأن السلطات السورية تمنع دخولها للبلاد، تدخل المبعوث الجزائري قائلاً إن بعض وسائل الإعلام الأجنبية تعتبرها دمشق معادية وتمنع دخولها إلى البلاد، لكن هناك كثيراً من وسائل الإعلام التي دخلت»، مشيرة إلى ندوة ستُعقد في فندق «دي دي من» في دمشق عند الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم، ستحاور فيه مجموعة من الفضائيات الأجنبية، بينها فرنسية وسويسرية وإيطالية وإيرانية، شخصيات من الموالاة ومن المعارضة السورية.
وتابعت المصادر نفسها إنه «كان لافتاً إقرار الجميع بأن عمليات القتل ترتكب من الطرفين. سلّموا بأن المعارضة تمارس القتل، وفي الوقت نفسه بأن عمليات القمع لا تزال مستمرة، وذلك بحسب المناخ الذي نقله المراقبون الذين أكدوا للجنة أنهم قادرون على تقديم صورة كاملة وشاملة عن الوضع في سوريا بوسائلهم الخاصة ومن دون مساعدة من أحد، شرط أن يُعطوا الوقت الكافي لأنهم بحاجة إلى زيارة الكثير من المناطق وجمع أعداد كافية من الشهادات». وختمت بأنه «كان لافتاً أيضاً أن المراقبين لا يخاطبون في تقاريرهم ومراسلاتهم السلطة أو الحكم أو النظام أو القيادة في سوريا، بل إنهم ملتزمون المصطلح المتفق عليه، ألا وهو الحكومة».
مصادر دبلوماسية سورية رأت في ما جرى يوم أمس «مخالفة كبيرة»، ذلك أنه بحسب البند الخامس من البروتوكول الموقّع بين سوريا والجامعة العربية، فإن تقارير البعثة يجب أن تُقدم في الوقت نفسه إلى الطرفين. وأوضحت «حتى اليوم لم تتلقّ الحكومة السورية أياً من تقارير المراقبين، وبينها التقرير الذي عُرض الأحد، ما دفع المندوب السوري إلى الجامعة يوسف أحمد إلى إرسال مذكرة إلى نبيل العربي تؤكد ضرورة احترام بنود البروتوكول وإرسال صور عن تقارير المراقبين إلى دمشق في اللحظة نفسها التي تتلقاها الأمانة العامة للجماعة».
وفي رد على كلام الشيخ حمد بعد اجتماع اللجنة حول أن «الشعب السوري حسم خياره»، رأى يوسف أحمد أن «المسؤول القطري عكس موقفاً مسبقاً ومنحازاً لبلاده من الأزمة في سوريا لا يتناسق مع موقعها كرئيس للمجلس الوزاري العربي وللجنة الوزارية العربية المعنية بالأوضاع في سوريا»، مشيراً إلى أن الشيخ حمد «وضع نفسه وبلاده في موقف حرج حين حاول أن يتحدث باسم الشعب السوري، رغم أنه يعلم تمام العلم موقف الغالبية الساحقة من الشعب السوري الرافض للتدخل الخارجي في شؤون سوريا، والرافض للدور السلبي وغير البنّاء الذي يقوم به الشيخ حمد بن جاسم شخصياً ورسمياً باسم دولة قطر في الأزمة التي تشهدها سوريا».
بيان اللجنة
وكانت اللجنة العربية قد دعت في بيانها الختامي الحكومة السورية الى «عدم التعرض للتظاهرات السلمية لإنجاح مهمة بعثة مراقبي جامعة الدول العربية إلى سوريا، مع الأخذ في الاعتبار التقدم الجزئي في تنفيذ بعض الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة السورية بموجب خطة العمل العربية». وأكد البيان «ضرورة توفير المناخ الملائم وتقديم الدعم السياسي والإعلامي والمالي واللوجستي للبعثة وزيادة عدد أفرادها وتعزيز تجهيزاتها حتى تتمكن من إنجاز مهمتها على الوجه المطلوب، وحث الدول الأعضاء على الإسراع في دفع مساهمتها المالية في هذا الشأن». كما أوصت اللجنة برفع المبلغ المخصص لتمويل الأنشطة الخاصة بتنفيذ خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية من مليون دولار إلى خمسة ملايين دولار قابلة للزيادة، وفقاً لظروف بعثة المراقبين ومتطلباتها.
وطالبت اللجنة جميع أطراف المعارضة السورية بتكثيف جهودها لتقديم رؤيتها السياسية للمرحلة المقبلة في سوريا حتى يتسنى البدء في الانخراط بعملية سياسية تحقق تطلعات الشعب السوري، وفقاً لقرارات مجلس الجامعة العربية في هذا الشأن. و«طلبت اللجنة من رئيس البعثة تقديم تقرير شامل في التاسع عشر من كانون الثاني الجاري الى الأمين العام للجامعة العربية عن مدى التزام الحكومة السورية بتنفيذ تعهداتها بموجب خطة العمل العربية».
من جهة ثانية، وفي إطار سعي الجامعة العربية الى توحيد كلمة المعارضة السورية، «طالبت اللجنة جميع أطراف المعارضة السورية بتكثيف جهودها لتقديم مرئياتها السياسية للمرحلة المقبلة في سوريا»، إضافة إلى «عقد مؤتمر للحوار الوطني وفقاً لما تضمنته المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا بهدف الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية لتسيير المرحلة الانتقالية».
وعبرت اللجنة عن «إدانتها الشديدة للتفجيرات التي وقعت في دمشق أياً كان مرتكبوها، ولكل أعمال العنف والقتل الموجّهة ضد المواطنين السوريين».
وبعد تلاوة البيان الختامي، أعلن وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس اللجنة العربية، في مؤتمر صحافي أن «اجتماعاً سيعقد للجنة العربية ومجلس وزراء الخارجية العرب لمناقشة تقرير المراقبين يوم 19 أو 20 كانون الثاني». وقال «أنادي الحكومة السورية بوقف القتل والاعتقال»، مضيفاً «نرجو أن يكون للقيادة السورية قرار تاريخي تلبيةً لتطلعات الشعب السوري». وأكد أنه «لم يتفق على إرسال أفراد من الأمم المتحدة إلى سوريا، بل تم الاتفاق على أن توفر الأمم المتحدة تدريباً للبعثة العربية».