مثلما كان متوقعاً، انتهى اللقاء الفلسطيني ـ الإسرائيلي بحضور أعضاء «اللجنة الرباعية الدولية» لعملية السلام في الشرق الأوسط، وبرعاية الأردن في عمان، أمس، من دون أي اختراق يذكر في جدار المفاوضات المتوقفة منذ نحو 16 شهراً، لكنها أبقت الاجتماعات «السرية والعلنية» في آن مفتوحة؛ وفي ظل هذه الأجواء، يتهيأ الطرف الفلسطيني لبدء معركة دبلوماسية شرسة ضدّ إسرائيل، في حال فشل المفاوضات، وفقاً للتهديدات التي أطلقها الرئيس محمود عباس بالتزامن مع اجتماعات عمان. وقال وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، إنّ المحادثات عقدت في ظل «أجواء إيجابية»، مع اعترافه بأنه لم تسجل أي اختراقات في «القضايا الرئيسية» (الحدود والأمن والدولة)، قبل أن يوضح أن «أهم شيء كان لقاء الجانبين وجهاً إلى وجه». وتابع جودة «لا نريد أن نرفع من سقف التوقعات أو التقليل من أهمية عقد مثل هذه اللقاءات، لكن الحديث والأجواء كلها كانت ايجابية خلال اجتماع اليوم» (أمس). ولفت إلى أنّ «هذا الاجتماع هو جهد دبلوماسي لكسر الجمود في عملية السلام... وجهد استكشافي وصولاً الى مفاوضات مباشرة بين الطرفين». كذلك أوضح أنه جرى الاتفاق «على أن تستمر هذه اللقاءات على أن يكون مكان انعقادها هنا في الاردن، كما اتفقنا على ألا يعلن عن هذه الاجتماعات مسبقاً إلا من خلال البلد المضيف وهو الاردن، والتصريحات حول ذلك ستكون من قبلي شخصياً. ستكون هناك سلسلة اجتماعات قد تسمعون عنها أو قد لا تسمعون». وفي السياق، أكد جودة أنه «ستكون هناك لقاءات خلال الشهر المقبل، والحديث بدأ فعلياً اليوم ونحن نريد أن نهيئ الأرضية لاستمرار مثل هذه اللقاءات، والجمود المستمر في عملية السلام من شأنه أن يؤثر على مصالح الدول ومن ضمنها الدولة الاردنية». وأوضح أن «هناك قضايا معقدة وشائكة عالقة وصراعاً طويل الأمد، لذلك فإنّ ذلك لن يحل في يوم أو يومين».
واستدرك وزير الخارجية الأردني بالتحذير من أن «غياب المفاوضات والسلام من شأنه ان يؤثر على الامن والسلم العالميين»، لأنه في حينها «العالم يخسر والمنطقة تخسر اذا لم تكن هناك مفاوضات جادة بين الطرفين تعالج كل القضايا العالقة». بدوره، كشف دبلوماسي حضر الاجتماع المذكور أن اللقاء «كان جلسة عصف أفكار بحيث أبدى كلا الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي تصميمهما على استئناف المفاوضات». وفي وقت سابق، قال مسؤول أردني فضل عدم الكشف عن هويته، إن «صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، وإسحاق مولخو، مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باشرا مباحثاتهما الثنائية في مبنى وزارة الخارجية في عمان بحضور وزير الخارجية ناصر جودة»، علماً أن عريقات ومولخو «حضرا قبيل ذلك لقاءً موسعاً ضم ممثلين عن اللجنة الرباعية ومبعوثها طوني بلير ووزير الخارجية الأردني». إسرائيلياً، رأى مصدر رفيع المستوى في تل أبيب أن الفلسطينيين «لا يريدون في الحقيقة إجراء مفاوضات، وخاصة أنهم وافقوا على اللقاء لأنهم لا يريدون أن يقولوا لا للملك عبد الله الاردني»، فضلاً عن أنهم «يهدفون من وراء هذا اللقاء الى تخفيف الضغوط الدولية عنهم».
وبموازاة اجتماعات عمان، لوّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عقب افتتاحه «مركز الأبحاث والدراسات القضائية» في مدينة البيرة، باللجوء إلى «أساليب أخرى» واتخاذ اجراءات تصعيدية في حال فشل المفاوضات، مؤكّداً في الوقت نفسه استعداد الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات شرط قبول دولة الاحتلال بالمرجعيات المحددة لعملية السلام ووقف الاستيطان. وقال عباس إن «الطلب الفلسطيني معروف، وهو أن يقبل الإسرائيليون بالمرجعيات المحددة لعملية السلام وأن يوقفوا الاستيطان، وإذا حصل هذا فنحن مستعدون للعودة إلى المفاوضات».
وأعرب عن أمله بنجاح المساعي الأردنية للعودة إلى المفاوضات، وعلق على الاجتماع الذي عقد أمس في الأردن بين مولخو وعريقات بحضور اللجنة الرباعية للسلام بالقول إنه «جاء بمبادرة كريمة من الإخوة الأشقاء في الأردن من أجل دفع العملية السلمية إلى الأمام وتقريب وجهات النظر». وتابع «إن شاء الله، ستظهر نتائج هذا الاجتماع اليوم أو خلال اليومين المقبلين من أجل وضع الأرضية المناسبة لاستئناف المفاوضات، وهذا سيكون شيئاً جيداً، ونأمل أن ينجح الجهد الأردني في هذا المجال».
في المقابل، حذّر عباس من أنه «إذا لم توافق إسرائيل على المطالب الفلسطينية قبل 26 من الشهر الجاري، يكون قد انتهى الوقت، ولدينا إجراءات أخرى يمكن أن نتخذها لا يمكن الإفصاح عنها الآن لأنها لم تستكمل بعد، وربما تكون صعبة». وأوضح أن «هذه الخيارات ستقررها القيادة الفلسطينية بعد دراستها لترى ماذا يمكن عمله بعد 26 من الشهر الجاري، وهو تاريخ انتهاء الأشهر الثلاثة التي حددتها الرباعية، وبعدها سيكون هناك فراغ، ونحن لا يمكن أن نبقى نعيش في فراغ».
في غضون ذلك، عبرت جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن عن رفضها «لمثل هذا الاحتضان لمفاوضات إسرائيلية ــ فلسطينينية الذي لا نظن أنه في سياق موقف عربي ولا حتى موقف وطني أردني». وقالت الجماعة، في بيان، «تلقينا باستهجان بالغ أخبار الاجتماع الذي سيعقد في الأردن بين العدو الصهيوني والسلطة الفلسطينية على أثر التهديدات الموهومة بالخيارات المفتوحة اذا لم تستأنف المفاوضات». بدورها، أبدت حركة «حماس» امتعاضها من عقد الاجتماع. وقال المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم إن «أي لقاءات بين السلطة وإسرائيل تعتبر منزلقاً خطيراً للسلطة، وستعطي شرعية للاحتلال لاستكمال مشروعه التهويدي والاستيطاني وسيكون على حساب الشعب الفلسطيني».
(أ ف ب، أ ب، يو بي آي، الأخبار)