قبل عام بدأت أزمة مخيم اليرموك في الجنوب من العاصمة السورية دمشق. بدأت الأزمة مع دخول مسلحي المعارضة إلى المخيم، إثر اندلاع الأحداث في منطقة الحجر الأسود والتضامن ويلدا، المناطق المجاورة للمخيم، والمتداخل بعضها مع بعض حواريه.
قبل أيام خرجت تظاهرات في مخيم اليرموك، مطالبة بفك الحصار عنه، وإنهاء معاناته التي دامت قرابة سنة، وإغلاق مدخل المخيم، أمام الدخول والخروج منذ نحو أربعة أشهر.
هذه التظاهرات، خرجت قبل قدوم وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى دمشق لمحاولة الحل، وبعد عودته بخفي حنين، وقبل مبادرة قدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة، تقضي بخروج المدنيين من المخيم، لإخراج المسلحين منه، لكن الرفض الشعبي، لهذه الآلية، اضطر أصحابها، إلى إجراء تعديل في جوهرها، لتصبح المبادرة، تتكلم على خروج المسلحين وإبقاء المدنيين داخل المخيم، وتأهيل البنية التحتية فيه، وعودة المهجرين إليه، الذين يصل عددهم من الفلسطينيين إلى نحو 150 ألف إنسان، سكنوا ضواحي دمشق الآمنة نسبياً، ومدارس الأونروا، ومنهم من نزح إلى لبنان، والبعض ممن تيسر له المال، هاجر عبر البحر مخاطراً، إلى أوروبا.
المبادرة، لتدخل حيز التنفيذ، وتتجنب العمل العسكري لتنفيذها، كان يجب أن تحصل على اتفاق، مع المسلحين داخل المخيم. هذا استدعى دخول وفد سمي وفد «المصالحة الشعبية» إلى اليرموك، للتفاوض مع قادة بعض المسلحين، دون وسطاء، (كما جرت العادة)، عبر محاولات عديدة.
استطاع الوفد الذي شارك فيه أعيان من المخيم، كالشيخ محمد العمري أحد أئمة مساجد المخيم، وأحد كوادر القيادة العامة، التوصل إلى اتفاق على انسحاب المسلحين غير الفلسطينيين من الحدود الإدارية للمخيم، حسبما هي موضحة من بلدية اليرموك، وإدخال المواد الغذائية والطبية، ولقاحات الأطفال ضد الشلل، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتسوية أوضاع الفلسطينيين ممن حملوا السلاح، وعودة الأهالي.
بعد أسبوع ونصف تقريباً على إنجاز الاتفاق ينتظر أهالي المخيم، تنفيذه بالكامل، إذ وضعت خطة زمنية للانسحاب، ودخول قوة فلسطينية لحماية المخيم، وإبقاء المسلحين الفلسطينيين على محاور المخيم، لمنع أي تسلل إليه مجدداً. لكن الواقع أن التنفيذ لم يحصل كما هو مخطط له، ودخول المواد الغذائية، لم يحدث كما يجب. فبضع علب حليب، وأمصال ضد مرض شلل الأطفال، لم تكن بالقدر الكافي، لأناس حُرموا أبسط حقوق الحياة، وهو الطعام السليم، المغذي، والأدوية الأساسية، على مر أربعة أشهر، من إغلاق المخيم تماماً. وتطعيم الأطفال من أمراض خطيرة بدأت تنتشر في بلد يعاني الحرب منذ أكثر من سنتين ونصف.
اصطدم الاتفاق الذي ينفذ ببطء بالعديد من العوائق، أحدها عدم اجتماع كافة المسلحين على رأي واحد، حول الخروج من المخيم؛ فهناك من المجموعات من لا يشاء أن ينفذ الاتفاق، ويُنقذ قرابة عشرين ألف مدني ممن لا حول لهم ولا قوة، سوى الصبر الطويل الذي نفذ مع المعاناة الكبيرة التي تحولت إلى مأساة حقيقة أودت بحياة العشرات برصاص الجوع
والجفاف.
وهناك أيضاً ممن هم على أبواب المخيم، أيضاً ممن لا يرغبون في إيجاد حل لمأساة هؤلاء، وإنهاء المرارة التي مروا بها، حتى صار العلقم يتلعثم من مرارة ما عانوه.
علم فلسطين رفع على الجانبين، بعد الاتفاق، في مدخل المخيم، حيث اللجان التابعة للقيادة العامة، وفي الداخل، من قبل المسلحين الفلسطينيين، الذين قرروا تسوية أوضاعهم مع الحكومة السورية. وهناك المسلحون الذين لم ينسحبوا بعد، كما الشعب المدني الأعزل، الذي خرج بتظاهرة داعمة للاتفاق (29/11). إلا أن المدنيين قوبلوا برصاص لم يعرف مصدره، في الوقت الذي رفع على مدخل المخيم وفي داخله علم فلسطين، لكن أحمد عودة استشهد، بأحد الرصاصين، من المدخل أو من الداخل، المرفوع عليه علم فلسطين، الحرة العربية، الذي يبدو أنه سيستمر إعلانها دولة مستقلة في مخيمات الشتات.
أحمد شهيد الاتفاق التاريخي، الخاص بمخيم اليرموك. أحمد شهيد العلم الفلسطيني داخل المخيم، وعند مدخله.
فعلى أحمد السلام. أما مخيم اليرموك، فيا ليته يعود يوماً كما كان. ترى هل هذا ممكن؟