انتهت رسمياً، فصول «الثورة السلمية» في سوريا مع أول رأس قُطع في إدلب أو درعا أو دير الزور أو حمص، أو أي مكان على الأرض السورية. ولربما تأخر هذا الاستنتاج مدة غير قليلة من الوقت، لكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي. على الأقل، هذه هي القناعة الجديدة لأبناء طائفة الموحدين الدروز في لبنان، الذين وقف جزءٌ كبيرٌ منهم على الضّفة المقابلة في الموقف والخيار عن إخوانهم في الجمهورية العربية السورية، وهلّل بعض مشايخهم وقادتهم السياسيين لـ«الثورة» الآتية بالخير والحرية والخبز للشعب السوري، الذي لم يكن جائعاً بالمناسبة.
لن تسمع اليوم في لبنان من يدعو إخوانه في السويداء إلى الانشقاق عن الجيش السوري والالتحاق بـ«الثوار»، ولن تسمع أيضاً ما كان يردده بعض المشايخ المقربين من النائب وليد جنبلاط عن أن «دروز سوريا سيهلكون بسبب موقفهم إلى جانب النظام السوري الساقط حكماً». كل هذا تغيّر، وطبعاً بفعل «ديموقراطية» و«حرية» «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة ». وإن كان البعض لم يصل إلى حدّ المجاهرة بإعلان موقفه الجديد من الأزمة السورية، التي أضحت اليوم أزمة لبنانية وعراقية وأردنية على حدّ سواء، فإن أحد أبرز المشايخ المنتقدين لموقف الدروز السوريين في بداية الأزمة يقول الآن: «ألف (الرئيس السوري) بشار الأسد، ولا هؤلاء الهمج التكفيريين في داعش والنصرة، وليس نحن من نقول هذا الكلام، الجيش الحر نفسه يقول النظام ولا التكفيريين، إنهم لا يهددون الدروز وحدهم، بل كل المذاهب، وعلى رأسهم أهل السنة».
ولأن أخبار السويداء وجرمانا وجبل الشيخ وصحنايا لم تعد «أخباراً من تلفيق النظام السوري» كما دأب أصحاب المواقف الجديدة على ترداده، فإن كل يومٍ يمرّ، يقترب فيه موقف دروز لبنان من موقف الدروز السوريين حدود التلازم. ويؤكد أحد المشايخ الفاعلين في الشوف أن «الزيارات التي يقوم بها إخواننا من سوريا إلى لبنان أوضحت الكثير من الإبهام، وهم واعون ومدركون ويتصرفون الصحيح، لا ضمانة في سوريا إلا بوجود الدولة المركزية القوية».
أخبار إدلب أخذت في الآونة الأخيرة حيّزاً كبيراً من اهتمام أهل الدين، إذ ينظر هؤلاء بكثيرٍ من الامتعاض والاستغراب إلى ما طلبته أخيراً «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من دروز قرى جبل السماق في إدلب لإشهار إسلامهم وكأنهم من غير المسلمين. يقول شيخ عقل الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ يوسف جربوع لـ«الأخبار»: «سوريا لطالما كانت حاضنة للجميع، ونحن مسلمون ونبينا محمد، ما يحصل في عموم سوريا مقلق، لأن الجماعات التكفيرية تستهدف النسيج الاجتماعي السوري ووحدة سوريا وليس الدروز فحسب». بينما يؤكّد شيخ العقل محمود الحناوي أن «السوريين لا يعرفون الأمور الطائفية، وهم مواطنون سوريون قبل الانتماء إلى مذاهبهم وأديانهم، وفي سوريا عرب وكرد وتركمان وشركس وأشوريون وكذلك سنّة وشيعة وعلويون ودروز ومسيحيون، والدروز مسلمون أقحاح، وفي كل مكان يوجدون فيه يدعون إلى السلم والوحدة الوطنية، والسويداء خير مثالٍ على ذلك، يعزّ علينا ما يحدث الآن، نحن في الماضي قدمنا آلاف الشهداء لأجل وحدة سوريا، ولن نفرط بهذه الوحدة، كان الله في عون سوريا». ويصل موقف شيخ العقل (في لبنان) ناصر الدين الغريب حدّ التماهي مع مشايخ السويداء، إذ يشير إلى أن «الدروز يحترمون كل أهل الديانات، وهم مسلمون ونبيهم محمد ودينهم التوحيد، ولطالما كانوا جزءاً أساسياً من النسيج السوري وسيبقون كذلك في سوريا الواحدة القوية، ونتمنى من الآخرين مشاطرتنا هذا الموقف، وأن لا تصل الأمور إلى حدود الفعل وردّ الفعل، فالتكفيريون يكفّرون أهل السنّة والجماعة قبل غيرهم». وكذلك مشايخ البياضة (حاصبيا)، إذ يقول الشيخ غالب قيس إن «الأمور ما عادت ثورة ولا ديموقراطية، ما يحدث الآن هو تهديد لكل المنطقة وعلى الوحدة السورية، نحن نحرم التعدي منا وعلينا، وسوريا كانت دائماً مكاناً للجميع وستبقى كذلك». بدوره، يتمنى الشيخ سليمان شجاع أن «يحكم الجميع العقل بما فيه مصلحة سوريا ووحدتها لتعود كما كانت، وإذا سقط الحاكم عمّت الفوضى وخربت البلاد، فالثورة لم تعد ثورة وتشعبت كثيراً».
وفي صورة أوضح، لم تعد المسألة بالنسبة إلى الدروز تنحصر في الموقف حول الصراع بين نظام ومعارضيه، بل أبعد من ذلك بكثير. الحديث عن موقف الطائفة من مستقبل المنطقة عموماً بات حديثاً يومياً عند «أهل الإطلاع» في معشر الموحدين، «المسألة لم تعد ثورة على نظام، المطلوب قيام إسرائيليات حول إسرائيل تبرر وجودها، أي دول صغيرة متناحرة مع بعضها، وهذا الأمر لا يقطع معنا، نحن مؤمنون بوحدة هذه البلاد»، على ما يقول لـ«الأخبار» أحد أبرز المراجع الدينيين اللبنانيين. وفي التفاصيل، يؤكد المرجع أن «الدروز كانوا دائماً جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي والقومي في بلاد الشام، وهم معنيون بالدفاع عن وحدتها قبل غيرهم».
لا تبدو إذاً خيارات الدروز كثيرة في ظلّ الصراع المستفحل في المنطقة. بين الدولة القومية وفوضى التكفير يضيق الهامش يوماً بعد يوم. أما إدلب، فهي خير مثالٍ على الآتي إذا انتصر التكفير، وتبعثرت سوريا.


يمكنكم متابعة فراس الشوفي عبر تويتر | @firasshoufi




جنبلاط: نتواصل مع «الحر» فقط

لم يصل النائب وليد جنبلاط إلى نتيجة إيجابية في موضوع دروز إدلب، خلال تواصله مع الدول الداعمة للتكفيريين، وعلى رأسها السعودية. هذا ما تقوله مصادر دينية مطلعة على القضية، فيما يرفض جنبلاط التعليق على الموضوع في الإعلام، ويقول لـ«الأخبار»: «لا أتواصل مع أحد، مع الجيش الحر فينا نحكي، بس معن ما بعرف».
وتؤكد مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي أن «التواصل محصور مع الجيش الحر في موضوع جبل الشيخ وحوران فقط، وقد أثمر تهدئة نسبية، لكن في إدلب لا أحد للتواصل معه، والأمور ليست خطيرة جداً». بينما يؤكد الوزير السابق وئام وهّاب أن «الدروز مسلمون أقحاح، فالأزهر وهو أكبر مرجعية إسلامية يعتبرهم مسلمين، وهناك بعثات مشايخ دروز يدرسون كل عام في الأزهر، أنا شخصياً ذهبت مع المير طلال أرسلان عام 1997 إلى السعودية، وعملنا عمرة».