قد يصافح السفير الأميركي في سوريا، روبرت فورد، من وضع يديه في أيدي أمراء «جبهة النصرة» قبل أيام.
مصادر سورية معارضة وأخرى ديبلوماسية غربية أفادت «الأخبار» بحصول لقاء في اسطنبول، أمس، بين مندوبين عن الإدارة الأميركية و«وسطاء على صلة بـ«الجبهة الاسلامية»، لا مندوبين عنها». الولايات المتحدة تريد أن تواكب التغييرات في الميدان السوري. العلاقة مع «الجبهة الاسلامية» ضرورية، منذ أن ذاع صيتها فور الاعلان عن تأسيسها قبل أسابيع، إذ «تُبذل جهود حالياً لتوسيع قاعدة المعارضة المعتدلة في مفاوضات جنيف 2»، حسب تصريح وزير الخارجية جون كيري أول من أمس.
اقتربت واشنطن من نعي «الجيش الحر». هي لا تحافظ على البيادق التي ترعاها إذا لم تحقّق خطتها المرسومة. ببساطة تغيّر اللاعب، أو تضعه في فريق آخر.
في تشرين الثاني من العام الماضي، سطّرت وزيرة الخارجية الأميركية، حينها، هيلاري كلينتون شهادة وفاة لـ «المجلس الوطني السوري». «حان الوقت لتجاوز المجلس الوطني، وضمّ من يقفون في خطوط المواجهة يقاتلون ويموتون إلى صفوف المعارضة»، أعلنت الوزيرة الأميركية في زغرب من دون أن يرفّ لها جفن. أسابيع «سماح» لذلك «المجلس» ليوسّع صفوفه من دون أن ينجح. بعدها، وُضِع «المجلس» على الرف، وصار «الائتلاف» الممثل الوحيد للمعارضة السورية.
اليوم يعيش «الجيش الحر»، ذراع «الائتلاف» العسكرية، الحالة نفسها.
توحيد الفصائل العسكرية تحت قيادة اللواء المنشق سليم ادريس كان مطلب «أصدقاء سوريا»، ثمّ وجد الغرب نفسه يحصي الفصائل والكتائب التي تخرج من مظلّة «الحر»... لتتوحّد في كيانات أخرى.
ما أراد الغرب أن يراه في «الجيش الحر» وجده في «جيش الاسلام»، ذلك الفصيل الذي بدأ كـ«سرية الاسلام» ثم «لواء الاسلام»، ليصبح «جيش الاسلام» في أيلول الماضي، وليضم أكثر من 43 تشكيلاً عسكرياً.
هذا «الجيش» أصبح، بدوره، جزءاً من «الجبهة الاسلامية». وهي اليوم، بمجرد تعداد «الكتائب» التي تنضوي في إطارها، توضع في مصاف القوة الأكثر تأثيراً في الميدان السوري المعارض.
إذ «بالمفرّق»، وبعيداً من «فروع» تنظيم القاعدة الثلاثة («جبهة النصرة» و«الدولة الاسلامية في العراق والشام» و«الكتيبة الخضراء»)، تتربّع تنظيمات «لواء التوحيد»، و«أحرار الشام» و«جيش الاسلام» و»صقور الشام» على عرش المجموعات المعارضة الأساسية في سوريا. وهذه التنظيمات هي التي اندمجت مع عدد من الفصائل الأخرى، لإنشاء «الجبهة الإسلامية».
واشنطن سرّبت من «مصادرها»، ثمّ عبر المتحدثة باسم وزارة الخارجية، فرأس ديبلوماسيتها جون كيري، استعدادها لمقابلة قادة «في الجبهة الإسلامية».
واللافت وصْف «المعتدل» الذي أطلقه كيري على «الجبهة» التي تقول في ميثاقها التأسيسي، إن الديمقراطية «تقوم على أساس أن التشريع حق للشعب عبر مؤسساتها التمثيلية، بينما في الإسلام «إن الحكم إلا لله»، وهذا لا يعني أننا نريد نظاماً استبدادياً تسلطياً، بل لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بالشورى مبدأ وتطبيقاً». وترى أنّ الدولة المدنية هي «وصف غير محدد الدلالة درج على ألسنة الكثير من الناس، وهو اصطلاح مرفوض لما يسببه من تضليل وإضاعة حقوق».
وبعيداً عن «الجانب النظري» لتلك الجبهة الوليدة، فإن فصائلها «أخوة سلاح» لـ«جبهة النصرة»، الفرع السوري الرئيسي لتنظيم «القاعدة»، والتي أدرجتها واشنطن على قائمة الارهاب منذ سنة (كانون الأول 2012).
التحالف الميداني سبق موقف واشنطن، كما لم يتأثر به. إذ اشتركت، على سبيل المثال، «النصرة» و«أحرار الشام» في عملية «انقاذ المدد» لمدينة حلب (آب 2012).
وفي فيديو بثّته وسائل اعلام «جهادية» يظهر «مهاجرو جبهة النصرة» بلباسهم الأفغاني إلى جانب «إخوانهم في أحرار الشام» وهم يستعدون لعمليتهم، ثمّ ينفذونها معاً.
وفي أيلول الماضي، طالعنا أبو أنس، «أمير جبهة النصرة في المنطقة الغربية في درعا»، في فيديو مسجّل، عن تعاون تنظيمه مع «الكتائب الاسلامية، كأحرار الشام ولواء القادسية في تحرير حاجز البنايات في درعا». كذلك بشّر السوريين باسمه وباسم «أحرار الشام»، وهذه الكتائب، بـ«أنّهم سيكملون طريق الثورة والتحرير».
كتفاً لكتف مع «ابن القاعدة الشاميّ»، نفّذت حركة «أحرار الشام» عملية مشتركة استهدفت قطعاً عسكرية تابعة للفرقة السابعة (التابعة للجيش السوري) في الغوطة الغربية، تحت اسم «تحالف الراية الواحدة» (شاركت فيها فصائل اسلامية عدة)، في آب الماضي.
وفي مثل آخر، وخلال اقتحام بلدة معلولا في المرة الأولى بداية أيلول الماضي عبر نسف حاجز الجيش السوري بسيارة مفخخة، أكدت «النصرة» في بيان أنّه «شاركنا في العملية ثمانية عناصر من إخواننا في حركة أحرار الشام، (...) كما شاركت كتيبة صقور الشام في التغطية على حاجز جبعدين والكتيبة التي تحمي حاجز معلولا بقذائف الهاون والصواريخ المحلية الصنع بالاشتراك».
ومنذ أيام، عند الهجوم على عدرا العمالية في ريف دمشق، صعب التمييز بين «الجبهتين»، من حيث العمل المشترك في الاقتحام والسيطرة.
وبعدها قبلت «الجبهة الإسلامية» توسطّ اخوانها في «النصرة» للدخول في وساطة مع «جبهة ثوار سوريا» بعد أحداث باب الهوى الحدودية. أبو حمزة الدرعاوي، أحد «شرعيي جبهة النصرة»، محط ثقة عند من تصفهم واشنطن بـ«المعتدلين».
المتحدث العسكري باسم «الجبهة الاسلامية»، النقيب إسلام علوش، شرح لـ«الأخبار» الخلاف في سوريا: «المقاتلون على ضفتين، الضفة الأولى عليها بشار الأسد وجنوده ومن أعانه، والضفة الثانية هي من كل من يقاتل هذا النظام».
قِسمة تذكّر بـ«التقسيم البن لادني» للعالم: «فسطاط خير وفسطاط شرّ». ورداً على سؤال عما إذا كانت «الجبهة الإسلامية» تخوض معارك إلى جانب «جبهة النصرة»، قال علوش: «طبعاً، توجد معارك ننفّذها سوية».
واشنطن تريد محاورة قادة متحالفين مع تنظيم «القاعدة». هم ليسوا متحالفين مع «القاعدة» وحسب. أحد المسؤولين في الامم المتحدة، ممن يتابعون الشؤون السورية عن كثب، يؤكد ان «جيش الإسلام» (أحد أبرز مكونات «الجبهة الإسلامية») ليس سوى تنظيم رديف لـ «جبهة النصرة».
لكن واشنطن مصرّة على محاورة «الإسلامية». لفت السفير فورد، أمس، إلى أنّ «الجبهة الإسلامية» رفضت الاجتماع بممثلين عن الإدارة الأميركية، مضيفاً: «نحن مستعدون للجلوس معهم لأننا نتحدث مع جميع الأطراف في سوريا».
لكن قبل أن تقوم «الجبهة الإسلامية» بأسابيع «التقى عدد من الثوار مع ممثلين عن مؤتمر أصدقاء سوريا وأبلغوهم أن الثورة ماضية والحل يمر عبر إسقاط النظام»، غرّد قائد «أحرار الشام»، ومسؤول الهيئة السياسية في «الجبهة»، حسان عبود (أبو عبدالله الحموي) أول من أمس.
«الجبهة» قد تكابر بالعلن، أو ترفض اللقاءات العلنية. منذ يومين، تغزو عبارة «واشنطن تزكّي الجبهة الاسلامية» صفحات وحسابات «الجهاديين» الشامتين.
في المحصلة، تلهث واشنطن خلف مغازلة كيانات «تمثل الشعب السوري»، بعد انهيار قيمة «الائتلاف» أمام السوريين والخارج. تريد أنّ تقول إنها تدعم قوة ذات وزن تمثيلي في «جنيف»، في وجه الانتقادات الروسية الدائمة بأنها «متمسكة بمجموعة تمثّل نفسها». تريد أميركا «ثقلاً سياسياً وشعبياً» أمام الحلف الروسي في سباق التحضير لمؤتمر «جنيف ٢».
أمس، وأول من أمس صدحت «أجهزة الاسلكي» في دير الزور: «الله أكبر. مجاهدو النصرة والجبهة الاسلامية يحرّرون بنك بيمو ومبنى سيرياتل».
لن يصل الصدى إلى «صنّاع القرار» في واشنطن. «البراغماتية» تدفع لملاقاة «الشيطان»... في سبيل تحصيل النتائج.



«نواة التصحيح» و«الدولة الإسلامية»... وعلوني ثالثهما

تناقلت مواقع «جهادية» ومعارضة سورية محدودة خبر تأسيس «نواة مشروع حركة التصحيح في الدولة الإسلامية في العراق والشام». لم «يُهضم» الخبر بعد. البعض شكّك في الفيديو، الذي نشر يوم الأحد، فيما أكّد آخرون أنّه «شهد شاهد من أهله». المتحدث في الفيديو وضع تسع نقاط تسجّل على عمل «الدولة» الحالي، كـ«الإشكاليات الشرعية حول اسم الجماعة وتوصيف أميرها»، و«غياب أمير الجماعة في قراراته عن الواقع تماماً»، والاستهانة «بدماء الاستشهاديين واستعمالهم لأغراض إعلامية». لذا، قرّر «التصحيحيون» تشكيل «نواة حركة تصحيح وجمع المخلصين لتقويم منهج الجماعة»، والطلب «من علماء وأئمة الجهاد بيان حكم الشرع النهائي في جماعة دولة العراق الإسلامية وحكم مشروعيتها». واللافت ما كشفته قناة «أورينت» المعارضة، أمس، عن أنّ هذا الفيديو من تلفيق مراسل قناة «الجزيرة» تيسير علوني (لم يكن قد سرّب بعد حتى خبر مقابلة أمير جبهة النصرة محمد الجولاني)، الذي «اضطر لتقديم بعض الخدمات لـ«الجولاني» مقابل موافقة الأخير على إجراء المقابلة. ثمّ وافق علوني، بحسب القناة، على كتابة البيان وتسجيله بصوته، لمصلحة المنشقين عن (أمير «الدولة» أبي بكر) البغدادي.



الجولاني «يلمّع» النصرة: لن نحكم سوريا وحدنا

للمرة الاولى، يظهر أمير «جبهة النصرة» في سوريا، أبو محمد الجولاني، في مقابلة تلفزيونية. المقابلة التي بثتها أمس قناة «الجزيرة» القطرية، اجراها معه تيسير علوني، الصحافي المعروف بصلاته القوية برجالات تنظيم «القاعدة» في العالم، وتأتي في سياق ما يبدو «تلميعاً» لصورة «جبهة النصرة»، بمقارنتها مع أختها غير الشقيقة، «الدولة الإسلامية في العراق والشام». أمير الجبهة التي بايعت أمير تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، خرج امس، من دون أن يرى المشاهدون ملامح وجهه، ليُظهر الصورة «اللطيفة» لتنظيمه: استنكر التكفير العشوائي، في غمز مباشر من قناة «الدولة» التي يقودها منافسه أبو بكر البغدادي. وأكّد أنه لن يتفرد في حكم سوريا المستقبلية، «وفق الشريعة الإسلامية» طبعاً.
«الجزيرة» بثّت مقتطفين قصيرين من لقاء كامل مع الجولاني، الذي يلقبه انصاره بـ «الفاتح»، قال فيهما إنّ جماعته لا تسعى لحكم سوريا، لكن الحكم في المستقبل يجب أن يكون وفق الشريعة الإسلامية. وأكد أنّ تنظيمه «لن يتفرد في قيادة المجتمع، وحتى إن وصلنا الى هذه المرحلة يجب تشكيل مجلس شرعي من مفكرين وعلماء ومثقفين، واهل الحل والعقد، من الناس الذين ضحوا وشاركوا والناس الذين لديهم رأي حتى وإن كانوا من خارج هذه البلاد، ثم توضع خطة مناسبة لإدارة هذا البلد... بالطبع تكون وفقاً للشريعة الاسلامية يحكم فيها شرع الله وتبسط فيها الشورى وينشر فيها العدل». تجدر الإشارة إلى أن المقابلة ستبث كاملة غداً في تمام العاشرة مساء (توقيت بيروت ودمشق).