واصلت واشنطن التعبير عن تخوفها من النكسات المتلاحقة التي يمرّ بها «الجيش الحر». هي متمسكة بالتعاون مع «المعتدلين»، لكن قوة «الجهاديين» تطرح أمامها تعقيدات حقيقية. كان مقاتلو المعارضة يراهنون على ضربة أميركية لدمشق بعد اتهام الأخيرة باستخدام السلاح الكيميائي في 21 آب الماضي في غوطة دمشق. ضربة رجحوا أن تضعف النظام عسكرياً، ما يتيح لهم تحقيق مكاسب ميدانية. ومنذ ذلك الحين، تواجه المعارضة المدعومة من الغرب التراجع مع استعادة الجيش السوري معاقل بقيت تحت سيطرتهم أشهراً طويلة، في حين تواجه صفوفهم انقسامات وتصاعداً في نفوذ المجموعات المتشددة، التي تشتبك في بعض المناطق مع مقاتلي «الجيش الحر».

وكانت آخر النكسات سيطرة مقاتلي «الجبهة الإسلامية» على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ومستودعات أسلحة تابعة لـ«هيئة أركان الجيش الحر»، ما دفع واشنطن ولندن إلى تعليق مساعداتهما غير القاتلة لشمال سوريا.
يوم أمس، أقرّ وزير الدفاع الأميركي، تشاك هاغل، بأنّ هذه النكسات تطرح «مشكلة كبرى». وقال في مؤتمر صحافي في سنغافورة: «أعتقد أنّ ما حدث في الأيام الأخيرة هو انعكاس لمدى تعقد وخطورة الوضع الذي لا يمكن التنبؤ به».
وأضاف إنّ «ما حدث يطرح مشكلة كبرى وسيكون علينا معرفة كيفية معالجتها مع (رئيس هيئة أركان الجيش الحر) الجنرال سليم ادريس والمعارضة المعتدلة».
وأشار الوزير الأميركي إلى أنّه يجب «مواصلة العمل مع المعارضة المعتدلة والحكومات هناك. وأن ذلك يشير الى أهمية مؤتمر جنيف».
وتابع: «هناك فعلاً عناصر خطيرة جداً في صفوف المعارضة، وهذا ما يعقّد من دعمنا. ولذلك، قررنا وقف أي مساعدة إضافية، وخصوصاً الأسلحة غير الفتاكة، إلى غاية التمكن من التوصل إلى تقييم واضح بشأن ما حدث لمستودعات الأسلحة».
وأتت تصريحات هاغل في ظل تصاعد الحديث، إعلامياً وغربياً عن الخطورة التي يمثلها مقاتلو التنظيمات التابعة للقاعدة أو المتأثرة بها في سوريا.
«الكيميائي» في 5 مناطق
في سياق آخر، أورد التقرير النهائي لمفتشي الأمم المتحدة حول الأسلحة الكيميائية في سوريا «أدلة» أو «معلومات جديرة بالثقة» ترجح استخدامها في خمس مناطق، هي: الغوطة الشرقية، وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، وحي جوبر في شرق العاصمة، وخان العسل في ريف حلب (شمال)، ومنطقة سراقب في محافظة إدلب (شمال غرب).
ورأى التقرير أنّ القرائن غير كافية لتأكيد استخدام السلاح الكيميائي في منطقة البحارية قرب دمشق، وحيّ الشيخ مقصود في حلب.
ويوضح التقرير، الذي من المقرر أن يدرسه مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين، أنّ «أسلحة كيميائية استعملت في النزاع الدائر بين الأطراف في سوريا»، من دون أن تكون مهمته تحديد من استخدمها.
وأكد التقرير أنّ بعثة المفتشين جمعت «أدلة دامغة ومقنعة حول استعمال أسلحة كيميائية ضد مدنيين، من بينهم أطفال، على نطاق واسع تقريباً في غوطة دمشق بتاريخ 21 آب»، وهو ما نص عليه التقرير الأولي للمفتشين في 16 أيلول الماضي.
وصرّح المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بأنّ تقرير الخبراء الأمميين يؤكد أنّ هذا السلاح استخدمه مقاتلو المعارضة السورية. وقال، في حديث إلى قناة «روسيا 24»، إنّ «ما جاء في التقرير الحالي لا يغيّر من قناعتنا، بل يعززها بأن من يقف وراء استخدام السلاح الكيميائي هم المقاتلون وليس الحكومة السورية». وأشار إلى أنّ «من الصعب توقع موافقة شركائنا الغربيين معنا بشأن استخدام السلاح الكيميائي في حلب والغوطة بريف دمشق من قبل المعارضة، لأنه لا يمكن أن نتوقع منهم التحلي بالموضوعية في هذه القضية».
وبخصوص مؤتمر «جنيف 2»، ذكر تشوركين أنّ «المعارضة حتى الآن تقوم بمختلف التحركات، وليست هناك وحدة في صفوفها، وليس هناك ثقة بأن المعارضة متمسكة بهدف التسوية السياسية في سوريا». وأشار إلى أنّ هناك «ضغوطاً من قبل مختلف الدول، وليس الجميع يرغبون في عقد هذا المؤتمر، وبالتالي فإن أمامنا عملاً صعباً، لكننا نأمل عقد المؤتمر، وأنه يعطي دفعة للحوار الوطني السوري الذي يعتبر الطريقة الوحيدة التي من شأنها أن تؤدي إلى تسوية الأزمة».

موسكو ستنقل «الكيميائي» السوري

إلى ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أنّ الخبراء الروس سيقومون بنقل المواد الكيميائية إلى اللاذقية، وأن روسيا ستقدم وسائل النقل لذلك.
وأضاف إن «الحديث يدور عن نقل الأسلحة إلى نقطة التخزين في اللاذقية، وبعد ذلك يجب أن تنقل على متن سفن إلى مكان الإتلاف».
وأكد أن كل الخطوات الرامية إلى إتلاف الأسلحة الكيميائية يجري تنسيقها مع الحكومة السورية، لافتاً إلى أن مشاركة روسيا في عملية إتلاف الكيميائي ستقتصر على الدعم اللوجستي فقط.
1000 مقاتل من أوروبا الغربية
وفي سياق آخر، قال غاتيلوف إنّ «هناك قضية أخرى قائمة اليوم، ألا وهي تنامي نشاط المجموعات الإرهابية التي تقاتل الحكومة السورية. وحسب تقديرات بعض المصادر، فقد ازداد بشكل ملموس تدفق العناصر الإرهابية من أوروبا. ويقال إن هناك نحو ألف شخص من بلدان أوروبا الغربية انضموا إلى العمليات العسكرية ويحاربون في الأراضي السورية في صفوف «القاعدة» وغيرها من المجموعات الراديكالية».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)