دمشق | رغم نجاح سوريا باكراً في نقل الجزء الأكبر من احتياطياتها الأجنبية المستثمرة في الخارج وشحنها بالطائرات إلى البلاد ومن ثم استثمارها في بنوك بعض الحلفاء، إلا أن تلك «اليقظة» لم تحل دون تجميد جزء من الاحتياطيات بموجب قرارات تجميد الأصول المالية للبلاد، والتي صدرت تباعاً خلال النصف الثاني من العام 2011، دون أن يصار إلى إصدار أي تقديرات وبيانات مالية حول حجم تلك الأموال المجمدة وتوزعها تبعاً للدول الموجودة فيها.لكن ومع التوسع الكبير في استيراد السلع الغذائية لتوفير احتياجات السوق الداخلية في ضوء التراجع الحاد في الإنتاج المحلي، والرغبة الحكومية بترشيد استهلاك ما تبقى لديها من احتياطيات مالية بالقطع الأجنبي، كان القرار الرسمي بالتوجه للاستفادة من بعض حيثيات ما تضمنته خطوة تجميد الأصول السورية في الخارج، وتحديداً لجهة عدم معارضتها امكانية تحريك هذه الأموال لتمويل مستوردات سوريا من السلع والمواد الغذائية والاحتياجات الإنسانية، الأمر الذي أثار شهية «أمراء» الاستيراد الكبار الذين ذاع صيتهم خلال هذه الأزمة. وهي شهية برّرها اقتصادي كبير لـ«الأخبار» بالقول: «بسبب تداعيات الأزمة وتراجع معدلات التجارة وإغراء التجارة مع القطاع العام في هذه الفترة، فمن الطبيعي أن يحدث هذا التهافت على الاستفادة من الأموال المجمدة».
بدورها، تؤكد مصادر مطلعة أنّ التقديرات تشير إلى أنّ إجمالي الأموال السورية المجمدة في الخارج بداية الأزمة كانت تصل إلى نحو ملياري دولار موزعة على دول عدة، منها مبلغ كبير يصل لنحو 700 مليون دولار موجود في إحدى الدول. وأضافت تلك المصادر أنّ الحكومة ناقشت سابقاً إمكانية إجراء تقاص بين الأموال المجمدة والديون المترتبة على سوريا (المقاصة هي استبدال الديون بالأموال المجمدة في الحسابات) لصالح بعض المنظمات والمؤسسات العربية والدولية، إنما تم التريث لحين توضح فرص استعادة البلاد لتلك الأموال.
وأياً تكن التقديرات المتعلقة بحجم الأموال المجمدة حالياً، فإن الغموض الذي يلف طريقة تعاطي الحكومة مع ملف استثمار الأموال المجمدة في تمويل مستورداتها من السلع الغذائية أخذ يثير نقمة العديد من التجار والمستوردين، الذين يؤكدون أن الحكومة تفاضل فيما بينهم لجهة إعلامهم بالدول التي تتواجد فيها هذه الأموال من جهة، أو باستبعادهم نهائياً دون مبررات موضوعية وقانونية من جهة ثانية. وهذا الغموض يتمثل كذلك، كما يشرح مصرفي، في حجم الأرباح التي يجنيها التجار والمرتبطة بطبيعة شروط تعاقد المؤسسات الحكومية مع هؤلاء، والسعر الذي يتم على أساسه بيع الدولار أو اليورو لهم، وأيضاً قيمة العمولة التي يتقاضاها التجار، سواء تلك الناجمة عن عمولة مباشرة أو عن فرق سعر بيع القطع.
على غرار المقايضة الشهيرة بين العراق والأمم المتحدة قبل الغزو الأميركي، والتي حملت عنوان «النفط مقابل الغذاء»، يتداول السوريون اليوم شعاراً جديداً مفاده «الغذاء مقابل الأموال المجمدة»، في إشارة لا تخلو من «سخرية مؤلمة» للحالة الاقتصادية التي وصلت إليها بلادهم بفعل الاستغلال الممنهج لتجار الأزمة وغياب الإدارة الاقتصادية الرشيدة.