دمشق | بعد محاولات فاشلة عدة، تمكَّنت الفصائل الفلسطينية الفاعلة على الأرض من التوصل إلى اتفاقٍ جديّ لتحييد مخيم اليرموك (جنوب دمشق) عن تجاذبات الحرب التي تشهدها العاصمة. وتتضمّن التسوية بنوداً متدرجة، تبدأ بالخروج النهائي للمسلحين غير الفلسطينيين من المخيم، ثم تسوية أوضاع المسلحين الفلسطينيين، ويُصار بعدها إلى إزالة الألغام والسواتر الترابية، ثم عودة النازحين. بناءً على المبادرة، دخل اليرموك في صراعٍ مع المجموعات غير الفلسطينية التي رفضت بداية الخروج من دون مقابل، قبل أن توافق على ذلك مطلع هذا الشهر، «بعد الحصار الخانق الذي فرضناه عليهم والهزائم الجسيمة التي لحقت بهم»، يقول أحد مقاتلي الجبهة الشعبية ــــ القيادة العامة. ومع إعلان كتيبة «ابن تيمية» (آخر الكتائب المسلحة لـ«الجيش الحر» وأكثرها تشدداً)، خروجها من اليرموك، لم يبقَ فيه إلا المقاتلون الفلسطينيون، وأغلبهم تابع لحركة حماس أو مقرب منها. لكن ذلك لم يضع حدّاً لأزمة اليرموك. فعند الانتهاء من تطبيق البند الأول، نشأ خلاف بين «القيادة العامة» والمسلحين الفلسطينيين على تفسير البند الثاني حول تسوية أوضاع هؤلاء. إذ رأى المقاتلون أنه يعني تسوية أوضاعهم مع بقائهم في المخيم، فيما تفسّره القيادة العامة بأنه يعني خروجهم جميعاً، على أن يعود إليه من تُسوّى أوضاعهم. هذا الخلاف بات يهدد نجاح التسوية، علماً بأن ما يزيد على 20 ألف مدني لا يزالون في المخيم تحت حصار خانق. ويقول ح. م، الشاب الثلاثيني العالق في اليرموك: «نحن محاصرون من قبل الجميع. لا المسلحون يقبلون بالانسحاب من هنا، ولا الحاجز عند أول المخيم يسمح لنا بإدخال متطلباتنا. فالحاجز يسمح لنا بالخروج فقط، وإذا خرجنا فليس هناك من مكان نذهب إليه. نعيش حالة عوز بالطعام والأدوية والحاجيات الضرورية. وهناك جرحى كثر لم يتسنّ لهم تلقي العلاج».
وعلمت «الأخبار» من مصادر مطلعة أن وفداً شعبياً دخل إلى اليرموك أمس، للتفاهم مع من بقي من المسلحين الفلسطينيين. وقالت المصادر نفسها إنّ «التسوية لم تنتهِ بعد. الوفود الشعبية ووفود المصالحة الوطنية تقوم بالمهمة بكثيرٍ من الإخلاص. وننتظر اتفاقاً خلال الساعات المقبلة».
وينقسم سكان المخيم بين من يضع اللائمة على المسلحين، ومن يرى في مطالب «القيادة العامة» شروطاً تعجيزية. «لا يوجد نص في الاتفاق يقول بانسحاب المسلحين الفلسطينيين، فلماذا تريد القيادة العامة وضع العصي في العجلات؟ أعتقد أنها تصرّ على انسحاب مقاتلي حماس ليتسنى لها التفرد في قيادة مخيم اليرموك مستقبلاً»، يقول أبو محمد واثق، أحد المحسوبين على «حماس». وفي المقابل، هناك من يرى من «القيادة العامة» أن «عدم انسحاب المسلحين يهدف إلى إبقاء بؤر توتر مستقبلية جاهزة للتحرك في أي وقت». فيما يذهب آخرون إلى أن كل العراقيل التي ترافق التسوية «شكلية»، وأن «النظام يفضِّل انتظار الوقت الأفضل لإعلان نجاح التسوية. ولعل الوقت المنتظر هو موعد انعقاد مؤتمر جنيف 2».
وفي سياق ردود الفعل الشعبية على التسويف، ينظم الأهالي تظاهرات احتجاجية شبه يومية، لم يكن آخرها «تظاهرة الأكفان» التي طالبت بانسحاب كافة العناصر المسلحة، من الطرفين، ورفع الحصار عن المخيم وتسليم أمنه لفصائل متفق عليها من منظمة التحرير الفلسطينية. وسقط في التظاهرة ثلاثة قتلى وخمسة جرحى «بنيرانٍ لم يعرف مصدرها».
كذلك خرجت أمس تظاهرة حاشدة تحت شعار «لا سلاح ولا تسليح... خلي الشعب يستريح»، رفع خلالها المحتجون أواني طعام فارغة، تعبيراً عن رفض الحصار الذي يعيشه المخيم. وقال م. الشهابي، أحد المتظاهرين، لـ«الأخبار»: «منذ أيام لم تُسجّل اشتباكات في اليرموك والهدوء يعمّ المخيم. ورغم ذلك لم تفتح الحواجز كي نستطيع إدخال متطلبات الحياة. الدخان هو الشيء الوحيد المسموح. وقد بلغ سعر الكروز الواحد 300.000 ليرة سورية (ما يعادل 20,30 دولاراً)». وأكّد انه «إذا لم يُستجَب لمطالبنا فسنقوم بالإضراب».
يذكر أن المسلحين القادرين على إدخال المواد الغذائية إلى اليرموك، فتحوا في أنحاء المخيم بسطات لبيع المواد الغذائية بأسعار خيالية، ما دفع المحتجين إلى مهاجمة البسطات وتكسيرها. «هؤلاء ليس عندهم ضمير. وليست هذه المرة الأولى، منذ يومين فعلنا الأمر نفسه، وأطلقوا النار علينا، وسقط شهداء» بحسب خ. عرابي.