القاهرة | ماذا لو أُسقط الدستور الذي أنهت السلطات المصرية تعديله خلال الاستفتاء الشعبي المقرر أوائل العام المقبل؟ وقد تضمنت نسخته النهائية مواد مثيرةً للجدل، وخاصة تلك المتعلقة بمحاكمة المدنيين عسكرياً، كذلك إن التصرفات القمعية للأجهزة الأمنية، التي كانت من أهم أسباب إسقاط نظامين منذ ثورة 25 كانون الثاني 2011، ما زالت مستمرةً، وهو ما يرفع مخاوف إسقاط النظام الثالث على التوالي.
وعلى الجانب الآخر، فإن القوى الشبابية الثورية، التي حدث شرخ بينها وبين السلطات الحالية، وتوسع بعد إصدار قانون التظاهر، لن تستطيع إسقاط الدستور وحدها، في ظل دعوات السلطات، عبر شبكة إعلامية ضخمة، للتصويت بنعم على الدستور، ومقاطعة «الإخوان» ومناصريهم، وهي القوى الوحيدة القادرة على الحشد وحسم المعركة من الجولة الأولى، ما يخلُّ بميزان القوى الداعية إلى التصويت ضد الدستور، فهل يُمرر لتَستكمل خريطة الطريق مسارها، وماذا لو لم يحدث ذلك؟
أولى دعوات التصويت على الدستور بـ«لا» انطلقت من حملة «لا للمحاكمات العسكرية»، وأكدت عضو الحملة سارة الشريف في حديثها لـ«الأخبار» أن الحركة بمشاركة عدد من الشخصيات العامة قررت الحشد للتصويت بـ«لا» على تعديلات الدستور، لأنه أقر مادة تسمح بمحاكمة المدنيين عسكرياً.
ورأت الشريف أنه يجب مقاطعة الاستفتاء؛ لأنه «لا يجوز الاستفتاء على الحرية»، مؤكدةً رغم ذلك أنها ستلتزم موقف الحملة، الداعي إلى المشاركة في الاستفتاء بـ«لا».
رغم ذلك، هناك قوى شبابية أخرى تدعم الدستور؛ إذ إن حركة تمرد التي حظيت بشعبية واسعة في أحداث 30 حزيران التي انتهت بعزل الرئيس محمد مرسي، أكدت أنها ستحشد للتصويت على الدستور بـ«نعم».
وقال العضو في الحركة، محمد عبد العزيز، الذي مثل الحركة في لجنة الخمسين لتعديل الدستور، إن الشعب سيصبح بين يديه دستور الثورة، دستور يكتب صفحة جديدة ناصعة في تاريخ مصر الحديث، مؤكداً أن الدستور الجديد «يضمن عدم عودة فساد ما قبل 25 يناير (كانون الثاني)، واستبداد ما قبل 30 يونيو (حزيران)».
وفي ما يتعلق بالمادة التي تسمح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، قال عبد العزيز لـ«لأخبار»، إن هذه الحالات استثنائية وموجودة في دساتير عديدة، مشيراً إلى أن حصرها في حالات محددة كما جاء في الدستور هو الحل الأفضل لمصر الآن، في الوقت الذي تتعرض فيه القوات المسلحة لاعتداءات متكررة.
من جانبه، توقع خبير العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أحمد تهامي، أن يكون هناك تأثير مباشر للصدامات المتكررة بين شباب الثورة والداخلية بزيادة الاحتقان والتوتر في الشارع، ما يلقي بأعباء ضخمة على الداخلية المشغولة أصلاً في صدام مستمر منذ 3 تموز مع أنصار مرسي، الأمر الذي قد يضعها في موقف تكون فيه عاجزة عن تأمين الاستفتاء، وهو ما سيضع علامات استفهام حول نتائجه.
وقال: «إن هذه الاشتباكات تضعف من شرعية التحالف القائم منذ عزل مرسي؛ لأن النخب الحزبية والمدنية توفر غطاءً مهماً لاستكمال خريطة طريق السلطة الحالية، وهذه النخب الحزبية تدعي أنها تمثل القوى الثورية والشبابية التي تُقمَع في الشارع».
وأوضح تهامي أن مادة المحاكمات العسكرية التي وصفها بـ«أكثر المواد تعارضاً مع الحريات وكشفاً لوجود هيمنة عسكرية في الدستور»، لن تجد إلا الرفض والاحتجاج من شباب ينادون بالحريات والديموقراطية وحقوق المواطن في الاحتكام إلى قضاء طبيعي نزيه، مشيراً إلى أن ميراث المحاكمات العسكرية للمدنيين قبل ثورة «يناير» وبعدها فيه الكثير من الممارسات السلبية ضد شباب الثورة، ما أسهم في تبلور حركات جديدة رافضة كحركة «لا للمحاكمات العسكرية» التي دعت إلى التظاهر أمام مجلس الشورى الأسبوع الماضي.