«انتبه! الأتوستراد الدولي مقنوص». عبارة تسمعها من معظم العسكريين عند السؤال عن الطريق إلى دير عطية، البلدة الواقعة قرب طريق دمشق ــ حمص، والتي احتلها مسلحو المعارضة (على رأسهم مقاتلو «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام») الأسبوع الماضي. ورغم انتهاء العملية العسكرية داخل البلدة، إلا أن قوات الجيش السوري لا تزال تلاحق مسلحي المعارضة على أطراف المزارع الشرقية.
انتهت العملية العسكرية للجيش السوري في دير عطية أمس. ومن لم يمت من أهالي البلدة بالرصاص والقذائف، مات محترقاً داخل منزله. هكذا استفاق أبناء المدينة ليتفقدوا خسائرهم البشريّة، بعد أيام قضوها مُلاحقين بالقذائف والحرائق، وعمليات القنص والخطف. ذوو الضحايا والمفقودين خرجوا من ملاجئهم يتفقدون أبناءهم. يسألون عنهم جنود الحرس الجمهوري العائدين إلى العاصمة، والذين انضموا قبل يومين إلى العملية العسكرية لتحرير البلدة الموالية. نساء يسألن العسكريين عن أزواجهن وأبنائهن. العجز عن الإجابة سيد الموقف لدى الجنود. نظرات المرارة على وجوههم تجعل بعضهم يتمتم: «انشالله بيرجعولكن بالسلامة». «طيب. حتى لو مات بس خبروني شفتو جثتو؟»، تقول إحدى النساء متسائلة عن مصير ابنها. يفترض المواطنون أن قوات الجيش التي استعادت السيطرة على البلدة، قد قبضت على جميع المسلحين الذين عاثوا فيها فساداً، ولا سيّما وسط معلومات عن القبض على عدد من أعضاء «المحكمة الشرعية» ورئيسها في مبنى بلدية دير عطية. يؤكد أحد الجنود أن «استشهاد عشرات العسكريين والمدنيين لم يقف في وجه تقدّم الجيش، والأمر ذاته سيكون في النبك وباقي بلدات القلمون لوقف دفق إمدادات المسلحين على طول الشريط الحدودي مع لبنان».
استمرار عمليات القنص على الطريق الدولي جعل الجيش يتابع ملاحقته للهاربين من عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بعد سيطرة هؤلاء على دير عطية ما يقارب سبعة أيام. نكبة كبيرة خلّفتها المعركة القصيرة في شوارع البلدة المنظّمة والتي تبعد عن دمشق 88 كلم شمالاً، والتي لطالما اشتهر أهلها باهتمامهم بتنميتها. شوارع البلدة النظيفة امتلأت بالركام. وبدأ الأهالي يحصون شهداءهم، داخل البلدة التي يبلغ عدد سكانها أربعة آلاف نسمة. وتركّزت الخسائر الكبرى في الأرواح بين عناصر «الدفاع الوطني» وعدد من المدنيين الذين ذهبوا ضحية القنص والقصف وفقدان القدرة على إسعافهم أو تأمين أدويتهم. ويروي عدد من جنود الجيش عن تأثير استشهاد النقيب علي شدّود، من قوات «الدفاع الوطني»، على معنويات الجنود السوريين، بعد إلقائه القبض على العشرات من مقاتلي المعارضة داخل مبنى بلدية دير عطية، خلال الأيام الماضية. عدد من أطباء وممرضي «مشفى الباسل» ذهبوا ضحايا الذبح الوحشي قُبيل الهجوم الانتحاري الأول على المستشفى الذي استمرت معاناته مع القذائف. وقبل ساعات من انتهاء العملية العسكرية داخل دير عطية، كان مصدر ميداني قد أكد لـ«الأخبار» أنّ البلدة ستكون في أمان خلال ساعات قليلة، بينما سيستمر قطع الطريق الدولي لمدّة قد لا تتجاوز 48 ساعة، بهدف تمشيط محيطه وتأمينه من العبوات الناسفة التي خلّفها المسلحون وراءهم على الطرق المؤدية إلى البلدة. وذكر المصدر أنّ العملية العسكرية مستمرة داخل بلدة النبك، التي سيطر الجيش على معظم أحيائها، وألقى القبض على عدد من قادة المسلّحين فيها. ويروي بعض أهالي البلدة، عن ذكرياتهم القريبة في فترات الاستراحة من القصف، حيث يخرج بعض المدنيين مع أعضاء فريق «جود» التطوعي الشبابي لتنظيف شوارع دير عطية، وإزالة الركام. كذلك يذكرون بحسرة عدداً من شهداء البلدة، ممّن حاولوا تأمين حليب الأطفال والأدوية للسكّان المحاصرين في البيوت والأقبية. وقد وصلت مساعدات إنسانية إلى وسط البلدة، وهي مكوّنة من أدوية ومواد غذائية، في ظل عودة المياه والكهرباء وتغطية الخلوي تدريجياً بعد انقطاع دام أياماً.
أحد أهم انجازات الجيش في البلدة بحسب بعض العسكريين المشاركين في تحريرها، هو إلقاء القبض على عدد من قادة المسلحين أحياء، بالإضافة إلى رصد العشرات من الجثث من جنسيات خليجية. فيما هرب من بقي منهم حياً إلى جبال البادية شرقاً، بسبب صعوبة الهرب عبر الطريق المؤدي إلى لبنان نتيجة حصار الجيش المفروض من الجهة الغربية. وأدت عمليات التمشيط المستمرة إلى استعادة مزارع وجرود قرية عين البيضا جنوب غرب قارة.
في موازاة ذلك، لم تتوقف الاشتباكات العنيفة في الغوطة الشرقية، في كل من النشابية والبحارية والعبادة والقيسا. وذكرت وكالة «سانا» الاخبارية، أن وحدات الجيش قضت على تجمعات المسلحين في هذه البلدات. وفي موازاة ذلك، لم تتوقّف الاشتباكات في بلدة ببيلا بين الجيش و«جبهة النصرة» حسبما أعلنت «سانا».
في المقابل، وفي أول تصريح رسمي له عن سير المعارك في الغوطة الشرقية، أعلن القائد العسكري لـ«الجبهة الاسلامية»، زهران علوش، على «تويتر»، أن «المجاهدين يسطرون أروع البطولات في تحرير الغوطة وفتح الطريق». وأضاف فجر أمس: «خمسة وستون شهيداً، حصيلة معارك تحرير الغوطة حتى اﻵن منهم خمسة وأربعون من جيش اﻹسلام. والمعنويات مرتفعة عند المجاهدين حتى استكمال فتح الطريق».
على صعيد آخر، استمر سقوط قذائف الهاون على دمشق وريفها، حيث سقطت واحدة على السفارة الروسية. وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس، أنّ مواطناً قتل واصيب تسعة آخرون بجروح جراء قذيفة هاون اطلقت على السفارة في العاصمة السورية. وقالت الوزارة في بيان لها: «إننا نستنكر وندين بحزم تكثيف عمليات اطلاق قذائف الهاون في الآونة الأخيرة في وسط دمشق من قبل المسلحين المعارضين للنظام»، واصفة القصف بـ«العمل الارهابي».
وفي إدلب، قُتل طالبان وجرح آخرون بسقوط قذائف هاون على دوار الجامعة. فيما اندلعت اشتباكات في حيّ صلاح الدين في حلب، واستمرت المعارك في محيط السجن المركزي ومستشفى الكندي.