ليست المستشفيات اللبنانية وحدها التي تردد في أروقتها همس عن وجود نوع من الفيروسات العصيّة المكتشفة لدى الجرحى القادمين من سوريا. بالأمس، لقي هذا الهمس دعماً علمياً على شكل معطيات رسمية تضمّنتها وثيقة أعدتها وزارة الصحة الإسرائيلية، كشفت عن حمل الجرحى السوريين فيروسات مجهولة مقاومة للمضادات الحيوية، محذرةً من انتشارها المُعدي في ظل عدم توافر الشروط اللازمة للعزل الصحي الذي يتطلبه هذا النوع من الفيروسات في المستشفيات الإسرائيلية.
ونشرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، أمس، معطيات طبية أظهرت أن نحو ثلث الجرحى السوريين الذين استُقبلوا للعلاج في إسرائيل في الأشهر الأخيرة رُصدت عندهم «نسبة كبيرة شاذة وخطيرة من الفيروسات، بعضها غير منتشر أو معروف في إسرائيل».
وأشارت الصحيفة التي استندت في تقريرها إلى مصادر رفيعة في وزارة الصحة وإلى وثائق داخلية، إلى أن خطورة هذه الفيروسات تكمن في أنها تقاوم كل أنواع الأدوية المضادة للالتهابات. وأوضحت أن الفيروسات من النوع الذي يقاوم كل أنواع مضادات الالتهابات (المعروفة طبيا بـ CRE)، ويمكن أن تنتقل من مريض إلى آخر عن طريق الطاقم الطبي، والتسبب بتلوثات شديدة خصوصاً لدى المرضى العجزة أو ذوي الحالات المعقدة. وفي هذه الحالات يمكن للفيروسات أن تتسبب بأمراض قاسية وربما حالات موت كثيرة، كما حصل بالنسبة لنحو ثلث المرضى الذين أصيبوا بهذا الفيروس على الأقل. وبحسب التقرير، فإن الخشية الرئيسية في المؤسسة الطبية في إسرائيل هي من أن تبقى هذه الفيروسات في المستشفيات وتنتقل منها إلى باقي المستشفيات في إسرائيل.
وبناء على ذلك، حذرت وثيقة داخلية مطلع الشهر الجاري وزارة الصحة من أن تكون الفيروسات المكتشفة لدى الجرحى السوريين «تتطلب عزلا إضافيا بمستوى أعلى من العزل العادي في غرفة منفردة كما تتطلب طاقماً طبيا خاصا». وأشارت الوثيقة إلى أن المستشفيات الإسرائيلية تفتقر إلى بنية تحتية كافية تتيح تنفيذ العزل المطلوب». وأضافت: «ثمة خطر من تجذّر الفيروسات في المستشفيات وتالياً أن تبقى المشكلة لسنوات حتى بعد تسريح الجرحى السوريين».
وكشفت «إسرائيل اليوم» عن نقاش أجرته إدارة وزارة الصحة حذر فيه مسؤولون كبار من أن العزل الذي تنفذه المستشفيات للجرحى السوريين لا يلبي الشروط المطلوبة. وخلال النقاش تساءل المدير العام للوزارة البروفسور روني غمزو عن «الضرورة التي تستدعي نقل الجرحى إلى مستشفياتنا؟ المشكلة لا تتعلق بالجانب الاقتصادي وإنما تتصل بالتعرض للفيروسات غير الاعتيادية التي يحملونها... يجب أن نحذر وزارة الخارجية من أنه قد تكون هناك تداعيات تتمثل بانتشار أمراض واسعة وسط مواطني الدولة». أضاف: «من المهم التأكيد أن مستشفياتنا ليست مجهزة وفقا للشروط المطلوبة لمعالجة حالات عزل المرضى المصابين بتلوثات من هذا النوع».
ووفقاً لتقديرات وزارة الصحة الإسرائيلية، عولج 350 جريحاً سورياً حتى الآن في اسرائيل، معظمهم في مستشفيات صفد ونهاريا، كما تم نقل عدد قليل منهم إلى مستشفى طبريا ومستشفى رمبام في حيفا. وتقدر وزارة الصحة كلفة علاج هؤلاء بـ 20 مليون شيكل (نحو 5.5 ملايين دولار).
وأكد البروفسور غمزو للصحيفة صحة المعطيات التي أوردها تقريرها موضحاً أن الوزارة فحصت «في الأشهر الأخيرة وضع الجرحى السوريين واكشتفنا بدءاً من شهر تشرين الثاني نسبة كبيرة جدا من الفيروسات المقاومة للمضادات الحيوية لديهم». وأوضح أن «هذه ظاهرة معروفة في المناطق التي هي عرضة للكوارث. تعليماتنا للمستشفيات كانت فورية وتتعلق بمعالجة كل الجرحى كما لو أنهم يحملون هذه الفيروسات إلى أن تتبين فحوصات كل جريح على حدى. وقد نقلنا هذه التعليمات إلى القوى الأمنية لكي تدرك أن هناك حاجة إلى الاعتدال قدر الإمكان في نقل الجرحى».