لم يكن مفاجئاً تحديد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يوم 22 كانون الثاني المقبل موعداً لعقد مؤتمر «جنيف 2». خلال الأسبوعين الأخيرين نقل زوار دمشق عن كبار المسؤولين فيها توقعهم أنّ المؤتمر لن يعقد قبل أقلّ من ثلاثة أشهر، وسبب ذلك يعود إلى أنّ الأميركيين لم ينجزوا بعد تشكيل «وفدهم» السوري المعارض إليه.
ورغم اتفاق وزيري خارجية روسيا وأميركا، سيرغي لافروف وجون كيري، بحضور المبعوث الأممي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، على تحديد موعد «جنيف2»، لا تزال إشكالية شكل وفد المعارضة ومضمون رؤيتها لأعماله عالقين. ومن المتوقع أن يذهب السفير الأميركي في سوريا، روبرت فورد، هذا الأسبوع إلى تركيا للقاء «الائتلاف»، سعياً لحسم هذا الموضوع معه.

تفاوض تحت النار

وبحسب تقرير دبلوماسي، فإنّ الفترة الزمنية الفاصلة حتى أواخر كانون الثاني المقبل ستشهد تصعيداً أمنياً سعودياً داخل سوريا، وأيضاً في لبنان، حيث تنشئ الرياض صلة بين الضغط الأمني والسياسي على حزب الله وبين هدف إجباره على سحب قواته من سوريا.
ويكشف التقرير عن وقائع تدعم هذا السيناريو، فيذكر كلاماً طرحه الإبراهيمي خلال زيارته الأخيرة لسوريا أمام معارضين، قدم خلاله ما اعتبره مفهومه الجديد لفلسفة الحل في سوريا، ومفاده أنّ الأزمة السورية تستوجب «حلاً غير كلاسيكي»، ومغايراً لما فكّر فيه سلفه كوفي أنان. وفي رأيه أنّ كل الأزمات السابقة التي شهدها العالم، كان يبدأ سيناريو حلها بوقف إطلاق النار، ثمّ بناء خطوات سياسية متتالية. أما الأزمة السورية المتميزة بخصوصية تعقيداتها فتحتّم طرح أجندة ابتداعية لحلها، لا ينطلق سلم بنودها بالضرورة من أولوية تنفيذ بند وقف إطلاق النار، بل يمكن تحقيق وقف النار كنتيجة لخطوات سياسية تسبقه. ويستفاد من منطق الإبراهيمي أنّ مسار الحل السياسي، أو جزء منه على الأقل، في إطار «جنيف 2»، سيتم تحت النار.
ومقابل هذه الرؤية، ترى دمشق أن «جنيف 2» محكوم بأن يبدأ خطوته الأولى نحو النجاح من بند وقف تمويل وإمرار السلاح والمسلحين إلى سوريا. وفي حال توافر هذا الأمر، فإنّ لدى الجيش السوري القدرة على إنهاء بؤر الارهاب خلال أقل من ستة أشهر.
ولكن السعودية، بحسب التقرير الدبلوماسي عينه، تتجه للحصول على فترة سماح إضافية من واشنطن (يبدو أنها حصلت عليها)، تستخدمها في تمكين المعارضة السورية من تحقيق إنجازات عسكرية، ما يفيد الأخيرة في تحسين موقعها خلال تفاوضها مع الدولة السورية في جنيف. وتؤكد معلومات ردّدها مسؤولون سوريون أخيراً أمام وفد الأحزاب العربية، أنّ رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان موّل تجهيز مئات المقاتلين الموجودين الآن داخل الأردن قريباً من الحدود، وبدأ الزج بهم في معارك داخل سوريا، والتي كانت الرياض تريد تأجيل عقد «جنيف 2» إلى ما بعدها. ولكن تطورات نجاح المفاوضات النووية مع إيران، التي أكدت للرياض عدم قدرتها على المضي قدماً في عرقلة الاندفاعة الدولية لإنتاج مسارات حلول للملفات الساخنة في المنطقة، جعلت السعودية تقرّر الانكفاء عن خطة عرقلة المؤتمر. وكبديل منها تبنّت الرياض خياراً جديداً يقوم على جعل مسار تفاوض «جنيف 2» يجري تحت سقف استمرار القتال في سوريا من جهة، وتصعيد ضغطها السياسي والأمني على حزب الله، من جهة ثانية.
وترى المصادر عينها أنّ كلام الإبراهيمي عن حل غير كلاسيكي في سوريا لا يبدأ ببند وقف النار يمثّل في الجوهر استجابة منه ومن واشنطن لشرط السعودية بربط سيرها في عقد «جنيف 2» باستمرار القتال في سوريا. كذلك يعزّز صدقية القراءة التي تتبنّاها دمشق لخلفيات التصعيد العسكري السعودي المرتقب تعاظمه في سوريا عبر جبهة درعا، والأمني والسياسي الجاري في لبنان ضد حزب الله، واللذين تضعهما في خانة خدمة المفاوض الأميركي الساعي لتحسين شروطه أمام شريكه الروسي، في محادثاتهما الجارية لإنتاج شكل المؤتمر ومضمونه.
ويلاحظ في هذا السياق أن أول إرهاصات دخول مقاتلين بأعداد كبيرة من الأردن كانت قد ظهرت قبل أيام، حيث انضمت مجموعات منهم إلى عداد نحو خمسة آلاف مقاتل هاجموا بلدة العتيبة الاستراتيجية القريبة من مطار دمشق.

قضية قدري جميل

وتورد المعلومات، في هذا السياق، جملة وقائع تدلّل على أنه رغم الشراكة الروسية ــ الأميركية تجاه الملف السوري، لا تزال واشنطن تسعى لتحسين شروطها إزاء موسكو ضمن هذه المعادلة. وما تريده هو حصر ثقل تمثيل المعارضة في «جنيف 2» بوفد «الائتلاف» و«الجيش الحر».
وتفيد المعلومات أنّ النقاش الذي خاضه لافروف مع كيري حول هذا الموضوع طرح خلاله الوزير الروسي ضرورة ألا تقتصر اتصالات واشنطن على معارضة الخارج.
وحينها، وافق كيري على تحديد موعد للقاء بجناح من المعارضة الداخلية ممثلاً بوزير المصالحة الوطنية علي حيدر ونائب رئيس الحكومة السورية قدري جميل. وأثناء وجود الأخيريْن في موسكو في مناسبة لقائهما مع مساعد وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أبلغهما الأخير موافقة واشنطن على تعيين لقاء لهما في جنيف مع كيري. وفيما استنكف حيدر عن الذهاب إلى الموعد، قصد جميل جنيف ليفاجأ بأنّ كيري لم يحضر، بل انتدب عنه السفير روبرت فورد الذي رفض الاعتراف بوجود حجم تمثيلي لجميل وجبهته.
وأنتج هذا اللقاء، حينها، تداعيات عرفت بقضية إقالة الرئيس بشار الأسد لجميل من منصبه، كردّ على لقائه فورد لبحث أمر خاص بالسوريين. وفيما تجري حالياً اتصالات لترتيب أمر عودة جميل إلى دمشق، فإنّ «الجبهة الشعبية»، التي تجمع جميل مع الوزير علي حيدر، عمدت إلى أخذ موقع وسطي في هذه القضية، تراعي من جهة حرصها على التمايز عن معارضة الخارج اللاهثة خلف الارتماء في الحضن الأميركي، ومن جهة ثانية التحفظ على قرار الأسد معاقبة جميل.