دمشق | يناقش مجلس الشعب السوري، منذ أسبوعين، مشروع موازنة عام 2014 تمهيداً لإقرارها. ورغم أنّ الرقم الإجمالي للموازنة بلغ 1390 مليار ليرة سورية بزيادة مقدارها 0.5% (7 مليارات ليرة) عن موازنة 2013، إلا أنّ الحساب الحقيقي يقول غير ذلك.
ينطلق توصيف الموازنة، في حال ثبات الأسعار (ثبات القيمة الشرائية)، من علاقتها بالنمو السكاني. وإذا كان النمو السكاني السنوي السوري، بحسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء، بحدود 3 في المئة سنوياً، فإن موازنة لا تتضمن أي زيادة ينبغي أن تكون بحدود 1425 ملياراً. بكلامٍ آخر، فإن الموازنة المطروحة للنقاش، وفقاً للطريقة العامة في الحساب، متراجعة عن 2013 بنسبة 2.5%. فكيف سيغدو الوضع إذا أدخلنا العامل الذي لا يمكن تجاهله، وهو عامل تغيّر القيمة الشرائية لليرة السورية؟
انخفضت القيمة الشرائية لليرة السورية مقابل الدولار خلال عام 2013 بحدود 100% من 75 ليرة للدولار الواحد كمعدل وسطي إلى 150 ليرة للدولار، ما ينتج عنه مباشرة انخفاض القيمة الإجمالية للانفاق ضمن الموازنة بنحو 100 في المئة، باعتبار أنّ لا فرق كبيراً بين الرقم الإجمالي لعامي 2013 و2014. ولا يعدو هذا الحساب أن يكون تقديرياً و«تلطيفياً» لواقع أكثر مرارة، إذ إن قياس القيمة الشرائية الحقيقية لعملة من العملات يستند إلى وضع هذه العملة في مواجهة السلع وليس في مواجهة العملات الأخرى إلا كحالة خاصة، والحال أن العلاقة بين انخفاض قيمة الليرة السورية في مقابل الدولار وانخفاضها في مقابل السلع، ليست علاقة خطية كما تبين الوقائع. فارتفاع الدولار تجاه الليرة السورية كان دائماً أقل من ارتفاع أسعار السلع الأخرى، ما يعني أن الحساب الأخير لا بد أن يستند إلى ما يسميه الاقتصاديون «السلة الاستهلاكية» القادرة، دون غيرها، على تحديد التحوّلات الحقيقية للقيمة الشرائية. ولكن إذا قبلنا، من باب التقريب، بالحساب نسبة إلى الدولار وقبلنا بالتالي بانخفاض الانفاق بنسبة تزيد على 100 في المئة إذا أضفنا عامل النمو السكاني، سنكون بلا شك أمام موازنة تقشفية!
لكن هناك من يرفض هذا الاستنتاج انطلاقاً من الفكرة القائلة إنّ الحكومة، في ظل الأزمة الحالية، لا تقوم بخدمة كامل الأراضي السورية، الأمر الذي يبرر تراجع الانفاق. إلا أن هذه الفكرة لا تستطيع الصمود أمام واقع وجود نحو خمسة ملايين نازح داخلي يكلف إيواؤهم وحده أرقاماً فلكية. ومن جهة أخرى، لا تصمد الفكرة أمام حقيقة أن الحكومة لا تزال، حتى اللحظة، تؤمّن جزءاً هاماً من الحاجات الاستراتيجية من طحين وكهرباء وغيرها، لكامل الخارطة السورية تقريباً.
سيساعد على إثبات فكرة التقشف بشكل أكثر جلاءً، الدخول في تفاصيل أبواب الموازنة بعد تحويل أرقامها إلى ما يساويها بالدولار ومقارنتها بموازنة 2013. ففي باب الدعم الاجتماعي ينخفض الرقم من 6.8 إلى 4.1 مليارات دولار بنسبة 40 في المئة، وفي باب الاعتمادات الاستثمارية ينخفض من 3 إلى 2.5 مليار دولار بنسبة 16 في المئة، وفي باب الرواتب والأجور والتعويضات ينخفض من 3.8 إلى 2.6 مليار دولار بنسبة 31 في المئة.
وتكمن المشكلة الأساسية في مشروع الموازنة، بحسب ما أفاد «الأخبار» الخبير الاقتصادي رائد سودان، في غياب المنهجية العلمية عن طريقة تركيبها، «فإذا افترضنا جدلاً أن خفض الانفاق المطلوب يجري في الموازنة تحت تأثير الطريقة الكينزية في التفكير الاقتصادي، فإن هذا الأمر لا يستقيم مع كينز نفسه الذي يطرح خفض الانفاق الحكومي كحل لمشكلة تضخمية محددة تختلف كل الاختلاف عن المشكلة التي تعيشها سوريا. وفي المقابل، إذا كان التوجه نحو التقشف يجري تحت ضغط الأمر الواقع، فإن نتائجه ستكون أكثر كارثية بكثير من اعتماد سياسة انفاق حكومي أعلى، وذلك بسبب انعكاسات التقشف على عجلة الاقتصاد شبه المتوقفة، وعلى مستوى الطلب داخل السوق السورية». ويضيف: «ربما تعول الحكومة في تقشفها على انفراج سياسي قريب يأتي بالمساعدات والقروض، ويسمح بإعادة تدوير عجلة الانتاج بنصف طاقتها على الأقل. ولكن قبل ذلك، فإن مواجهة مخاطر 2014 الاجتماعية والسياسية بموازنة تقشفية يبدو حتى الآن مقامرةً خطيرة».



تراجع الصادرات بنسة 95%

ذكر تقرير رسمي صدر عن رئاسة الحكومة السورية أن هناك تراجعاً واضحاً في الصادرات بنسبة بلغت نحو 95% خلال الفترة بين الربع الأول من عام 2011 والربع الأول من عام 2013، كما تراجعت المستوردات بنسبة 88%، وهذا يعود إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة التي أثرت بنحو مباشر على تمويل التجارة الخارجية، إضافة الى أن المصارف تشددت في تقديم التمويل للتجارة الخارجية، وقلصت من الفترات المتاحة لهذا التمويل، إلى جانب تدهور عملية الإنتاج وارتفاع تكاليفها. ووفق المعلومات الصادرة في النشرة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، ظهر تراجع واضح في قيمة الصادرات النفطية بنسبة تراجع بلغت حوالى 33.3%، وفي المقابل ازدادت كمية المستوردات من المشتقات النفطية بنسبة زيادة بلغت 155.2%.