غزة | «ستة واثنا عشر» تسمعها من كل فم هنا: من عجوز تسامر زوجها على باب بيتها، من امرأة تنشر الغسيل وتحادث جارتها، من حديث رجل عائد من عمله الى سائق السرفيس، من صبي يلعب الكرة مع أترابه او طالبات عائدات من مدرستهن.. لا بل من الممكن ان تسمعها حتى من أطفال تعلّموا لتوهم الكلام في رياضهم!يمكنك أن تعتبرها لغة الساعة، أو بمعنى آخر هي لغة شوارع وحواري ومخيمات غزة. أما المعنى؟ فليس أبداً كما هو في لبنان ٨ و١٤.. هي بكل بساطة يا سادة يا كرام ارقام جدول التغذية بالكهرباء هنا في القطاع، تتبعها إشاعات أخرى حول ما إن كانت ثلاثة بدلاً من ستة، لا اقصد ساعات الانقطاع بل عدد ساعات التغذية بالكهرباء!
أمس كنت أخبر أختي في السعودية: «أنا على حافة الجنون.. هذا الشمع يجعلني أتخيل أشياء مخيفة. خيالات لأشياء مش موجودة!». وتخبرني صديقتي: «أنام طوال النهار وأوصيهم في البيت ان لا يوقظوني الا لما تجي الكهربا.. لأحيا ست ساعات فقط». شركة الكهرباء ترى الست ساعات «خير وبركة»، وأننا كشعب غزي علينا الشعور بالامتنان الشديد لها، لأنها، هذه الساعات الست، لم تتأمن الا بعد جهود مضنية وغالية الكلفة مع مصر وإسرائيل!
حسناً، ككبار يمكننا أن نجدول حياتنا مرغمين بحسب جدول الكهرباء، لكن ماذا بشأن الطفل حينما يخبرك مثلاً «أنا بحس حالي بدي أموت لما تقطع الكهربا»! ماذا نقول لهم؟ هل نخبرهم بأن هذا التقنين هو بالحقيقة جهاد في سبيل الله، وأن الله يحبنا جداً لذا يختبرنا بحكومات رائعة مثل حكومتنا؟ وأن الضفة وحكومة رام الله هم دولة كافرة لأنها تتمتع بالضوء طوال اليوم! نقول ان أصحاب المناصب الحكومية «ضاوية أبواب بيوتهم من الخارج قبل الداخل.. ونهاراً قبل ليلاً».. في حين اننا نغرق في الظلام؟ فيا له من جهاد ورباط عظيم!!
وللأمانة، الحكومة تساهم مساهمات عظيمة في حل المشكلة. فاليوم بدلاً من مواتير توليد الكهرباء، تجد أن «البطاريات» احتلت الأسواق الغزية، وبأسعار في متناول أيدي الفقراء .. لذا، على من يريد الحصول عليها ان يقترض من البنك، أو أن يبيع بيته ليشتري بطارية!
شوارع مظلمة وطويلة، تتشابه على الناس. اتصلت مواطنة بأخيها: «مش قادرة أوصل عالبيت.. كني نسيت العنوان؟ تعال خدني من أول الطريق».
ليس الزهايمر، إنه الطريق إلى فقدان الذاكرة فقط. ليست أزمة بل بداية أزمات متراكمة. أمام كل محطة، تجد سيارات مصطفة لا أول لها ولا آخر، لتحصل على الوقود. طبعاً هذا حرص من الحكومة على قيام المواطنين بالرياضة!.
هذا الشتاء: علينا أن نصلي صلوات الحاجة.. لا الاستسقاء!