تعرضت مدينة الرقة خلال الأيام القليلة الماضية لقصف عشوائي بقذائف الهاون وصواريخ متنوعة طالت أحياء عديدة، جاء ذلك بالتزامن مع تضييق الخناق على مقر قيادة الفرقة 17 بغية السيطرة عليها بالكامل. نال المدنيون نصيبهم منذ تجدد الاشتباكات بين عناصر الفرقة المحاصرة ومقاتلي الكتائب الإسلامية المسلحة. لم تهدأ ساحة المعركة منذ إعلان الجيش السوري بدء معركة «القلمون» والسيطرة على مدينة «قارة» خلال الأسبوع الفائت.
فصائل المعارضة المسلحة، أكدت في البداية تحرير قيادة الفرقة 17، وأعلنت سيطرة مقاتلي «الكتائب الإسلامية» على مساكن الضباط داخل الفرقة، والكتيبة الطبية وكتيبة المجندين الأغرار. لكن سرعان ما نفت فصائل أخرى الخبر الذي تسابقت في تناقله قنوات إعلامية ومواقع إلكترونية.
وأفاد مصدر مقرب من المعارضة المسلحة لـ«الأخبار»، بأن «تجدد المعارك والاشتباكات وعزم الكتائب على إسقاط الفرقة والسيطرة عليها، جاء رغبة بإنهاء القتال في الرقة وسد الثغور الشمالية، وردع المقاتلين الأكراد عن التقدم باتجاه مدينة تل أبيض» (شمالي الرقة).
وتابع المصدر: «شنَّ مقاتلو جبهة النصرة والدولة الإسلامية وأهل الأثر وحذيفة بن اليمان وحركة أحرار الشام الإسلامية، هجوماً بمدافع الهاون ومدافع 57 و23، تلا ذلك سيطرة على جزء من كتيبة الأغرار».
رجع صدى أصوات الانفجارات واستهداف أحياء المدينة بقذائف هاون مصدرها الفرقة 17، وأخرى محلية الصنع «مجهولة المصدر» تنحرف بوصلتها لتسقط عشوائياً في المدينة، شكّلا حالة خوف وهلع عند المدنيين ترافقت مع حركة نزوح داخلية.ويؤكد الناشط الإعلامي أبو ثائر «أن الخوف على الأطفال من موت مُحتم بقذائف عمياء دفع كثير من المدنيين العُزل إلى ترك منازلهم مع سقوط أول قذيفة بالقرب منها. ينزح المدنيون إلى بيوت أقاربهم ضمن المدينة، وفي اعتقادهم أن الأحياء الأخرى ستكون بمنأى عن القصف».
قضى بعض المدنيين ليالي خارج بيوتهم، محاولين الابتعاد عن مراكز حساسة يوجد فيها عناصر «الكتائب الإسلامية». بينما كثف سلاح الجو السوري غاراته على مواقع عدة في المدينة، تركز معظمها في الشمال حيث تدور اشتباكات عنيفة في محاولة لتخفيف الضغط عن قيادة الفرقة المحاصرة. ونشرت صفحات المعارضة على شبكات التواصل الاجتماعي أسماء وصور بعض ضحايا الاقتحام، ومن بينهم أطفال «أحمد الخلف»، وأبرزهم القائد «أبو ياسر» متزعم كتيبة «مصعب بن عمير» التابعة لـ«أحرار الشام».
وغربي مدينة الرقة (بنحو 50 كلم) استهدفت مدفعية مطار «الطبقة العسكري» المحاصر مدينة الطبقة التي يسيطر عليها مقاتلو «جبهة النصرة» و«لواء التوحيد» بقذائف عدة إثر إسقاط طائرة مروحية ومقتل طاقمها قرب المطار.
في السياق ذاته، فصلت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» مدينة رأس العين عن محافظة الحسكة وضمتها إلى «ولاية الرقة»، وهذا يُحتم على عناصرها القتال لاستعادة السيطرة على مدينة رأس العين التي يسيطر عليها مقاتلو «وحدات حماية الشعب» الكردية. وقد غادرت أرتال مقاتلة مدينة الرقة لهذه الغاية. واحتدمت المعارك شمالي مدينة الرقة 100 كلم، وشرقي مدينة تل أبيض باتجاه مدينة رأس العين بين مقاتلي «الفصائل الإسلامية» وقوات «الوحدات».
تزامن تجدد المعارك مع إعلان مديرية الشؤون الإسلامية والأوقاف «النفير العام» في «الولاية»، وأهابت بالشباب الالتحاق بالفصائل الإسلامية والمشاركة في القتال «للذود عن بلاد المسلمين وأعراضهم».
أثار قرار النفير العام سخطاً وريبة في نفوس شباب محافظة الرقة، في ظل توارد أنباء مؤكدة عن تجنيد نحو 500 شاب وإجبارهم على الانخراط ضمن الفصائل المقاتلة في محافظة حلب، محاولة وقف تقدم قوات الجيش السوري نحو المدينة.
استغلت قنوات تلفزيونية هذه الأنباء المتواترة، وتسابقت في إعادة مدينة الرقة إلى الواجهة الإعلامية كـ«مادة دسمة»، بعدما تجاهلت لأشهر ما يدور فيها من عمليات خطف واغتيال طالت مدنيين وناشطين إعلاميين، وانقطاع أدنى سبل العيش.