مرت العلاقات المصرية التركية بكثير من الاحداث بعد ثورة «يوليو 52» التي أعاقت تقدم العلاقة بين البلدين، ليأتي طرد السفيرين بين البلدين ليطرح السؤال كيف يمكن إعادة بناء الثقة بين الطرفين؟ طرد السفراء ليس الأول بين البلدين، فقدت شهدت العلاقة سابقاً الإجراء نفسه في عام 1954 عندما رفضت الحكومة التركية الثورة المصرية التي قادها الرئيس جمال عبدالناصر، وهو ما ردت عليه القاهرة بطرد السفير التركي حينها فؤاد طوغاي واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، في أول محطة توتر بين البلدين.
الأزمة الثانية كانت عام 1961، عندما رفضت أنقرة الوحدة المصرية السورية وأقرّت الانفصال.
اقتصرت العلاقات بين البلدين في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين على المصالح الاقتصادية أكثر منها على الجوانب السياسية، مع وجود زيارات متبادلة لبعض كبار المسؤولين.
عادت العلاقات السياسية بين البلدين إلى التحسن في تسعينيات القرن الماضي، بسبب الدور الذي لعبته مصر في تهدئة الوضع بين تركيا وسوريا في نزاعهما حول المياه، والحدود، والأكراد، لتعود العلاقات إلى التدهور مع اندلاع ثورة «25 يناير» ووقوف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى جانب الثورة ودعوته الرئيس حسني مبارك إلى ترك السلطة. فترة العداء لم تطل، وسرعان ما عادت الأمور إلى التقارب أيام حكم المجلس العسكري، وتبادل الزيارات بين الطرفين.
ومع وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، تطورت العلاقات بشكل بارز، إلى درجة أن الحكومة طرحت إطلاق اسم رئيس الوزارء التركي على شارع «سيمون بوليفار» الذي يتوسط منطقة غاردن سيتي الشهيرة في القاهرة، وفق مخطط تغيير أسماء الميادين، ولم يسعفها الوقت لتنفيذه بسبب ثورة «30 يونيو».
وبعد ثورة «30 يونيو»، عادت أجواء التصعيد بين البلدين، بعد انحياز الموقف التركي إلى جانب الرئيس المعزول محمد مرسي، فيما اعتبرت القاهرة أن مواقف أنقرة تدخل في الشأن الداخلي.
حدة المواقف بين البلدين أدت إلى إلغاء مناورات عسكرية بينهما، كما أدت إلى استدعاء السفيرين للتشاور بعدما أدان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ما وصفه بـ«المجزرة» بعد فض اعتصامي «رابعة العدوية» و«النهضة» في آب الماضي.
وفي ظل هذه الاجواء المتوترة، حاول الرئيس التركي عبدالله غول الإمساك بالعصى من الوسط، وأعلن في أكثر من محطة رفضه القول بأن بلاده تتدخل في شؤون مصر الداخلية، موضحاً أنه يجب اعتبار تصريحات أنقرة «تحذيرات ودية». وجدد موقفه حين قال إن مصر وتركيا «نصفا تفاحة» بالنسبة إلى منطقة الشرق الاوسط، وإن ما حدث خلاف عابر سينتهى سريعاً ولن يؤثر على الشعبين.
على الجانب الاقتصادي، أكد مساعد وزير الخارجية السابق وأمين عام اتحاد المستثمرين العرب، جمال بيومي، أن طرد السفير التركي من القاهرة «رد فعل طبيعي على التدخل السافر من قبل تركيا في الشأن المصري، ونتيجة لسياسة أردوغان الحمقاء».
وعن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، أوضح بيومي أن «تركيا هي الخاسر الأكبر، حيث إنها استفادت من إقامة استثمارات على الأراضي المصرية، وذلك من خلال دخول بضائعها إلى السوق العربية من دون رسوم جمركية، من خلال اتفاقية التجارة الموقعة بين مصر والدول العربية ودول الكوميسا».
بدوره، أوضح رئيس مجلس الأعمال المصري التركي، عادل لمعي، أن «مجلس الأعمال وجميع أعضائه مدركون الفصل بين الملف السياسي والاقتصادي، مشيراً إلى أن العلاقات بين الشعبين عميقة، ولا توجد مشكلة بينهما، لكن المشكلة هي مع الحكومة التركية التي تتدخل في الشأن المصري، وتصريحات أردوغان المثيرة للجدل». ورأى أن مهمة المجلس في الفترة المقبلة التأكيد على ذلك.
وعن حجم الاستثمارات التركية في مصر، أوضح لمعي أنها تبلغ نحو مليار ونصف مليار دولار، مشدداً على استمرار العلاقات الاقتصادية في ظل رفض الاتراك أنفسهم لتصريحات أردوغان التي أساءت إلى الدولة التركية.
وفي شأن مستقبل الوديعة التركية، لفت خبير أسواق المال عمرو وهيب إلى عدم وجود اتجاه لردّ الوديعة التركية المربوطة بالبنك المركزي المصري، البالغة قيمتها مليار دولار، وذلك على خلفية تقليص التمثيل الدبلوماسي التركي في القاهرة.
وأشار وهيب إلى أن الوديعة التركية مدتها 5 سنوات، وتحكمها اتفاقية، ويجري سدادها والفائدة المتفق عليها وفقاً لبرنامج زمني واضح مع الجانب التركي، وأن الوضع بالنسبة إلى الوديعة التركية يختلف عن الوديعة القطرية التي حل أجلها الزمني، وطلبت قطر عدم تجديدها، وردّها البنك المركزي المصري أخيراً، كما ردّ المركزي أيضاً وديعة لم يتم تحويلها إلى سندات بقيمة ملياري دولار منذ نحو شهرين. وحول خط التسهيل الائتماني التركي المقرر بواقع مليار دولار، أكد وهيب أنه كان من مصلحة تركيا، وكانت تديره وزارة التعاون الدولي، والبنك الأهلي المصري.