في منزل صغير لا يختلف عن بيوت مخيم الدهيشة، جنوب شرق بيت لحم، ولدت وكبرت حنان الحروب قبل 43 عاماً. ظلت ترسم في مخيلتها مستقبلاً أكثر بهجة من وجع اللجوء وأوسع من زقاق المخيم، فثابرت واجتهدت في دراستها انطلاقاً من اعتبار التعليم سلاحاً يحرر التاريخ قبل الجغرافيا، وهو ما يحرص عليه الفلسطينيون، خاصة اللاجئين، رغم أي ظروف اجتماعية أو اقتصادية.الحروب، التي فازت قبل أيام بجائزة «أفضل معلم في العالم» بإشراف من مؤسسة «فاركي» التعليمية الخيرية، أكملت تعليمها الجامعي بعد الزواج من رجل «يقدّر قيمة المرأة في المجتمع». ظلّ بجانبها زوجاً وصديقاً داعماً للمهمة التي قررت أن تنجزها، وهي أن تقتل الصورة النمطية لتدريس طلاب المرحلة الأساسية، وتفتح كل النوافذ والأبواب لمنهجية جديدة، عبر مبادرة حملت شعار «ﻻ‌ ﻟﻠﻌﻨف ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠم». ﺍستخدمت في أسلوبها تقنيات اللعب، ﻟﺘطبيق الشعار ﻋﻠﻰ ﺍلطلبة ﺍﻟﻔﻠﺴطينيين في المرحلة الابتدائية، بداية ﻓﻲ ﻣﺪﺭسة سميحة خليل ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺮة.
هذه المهمة، التي تولتها الحروب، كان سببها حادث مفصلي قديم، تسبب في وجع موضعي وذكرى سيئة ونجاح قادم في الوقت نفسه. تقول «أفضل معلمة في العالم» إن «سبب هذه المبادرة خرج من هنا، من منزلي وعائلتي، حينما شاهدت وأطفالي وزوجي مصابين برصاص الاحتلال خلال عودتنا من مدرسة الأطفال».
المشهد لم تنسه الحروب ولا أطفالها، بل صار كوابيس خلال نومهم، ورفيقاً بشعاً خلال نهارهم. ثم انعكس بالأقلام وبالألوان على دفاترهم يرسمون الدم ووالدهم المصاب يهوي أمامهم. قررت المعلمة أن تغيّر تخصّصها لتكمل دراستها الجامعية في «التدريس الابتدائي». آمنت بأن التعلم عبر اللعب ورسم الابتسامة والشعور بالقوة أقوى من رصاصات اخترقت السيارة وأصابت زوجها. صحيح أنها لم تقتله، لكنها جعلته وجعلتها أقوى.
تضيف حنان الحروب: «أطفالنا محرومون من طفولتهم ويستحقون من يأخذ بأيديهم. كل السلوكيات الناتجة من العنف جراء التعرض المباشر للاحتلال أو مشاهدة الشاشات... كل هذا يعيق العملية التعليمية والتعلم. نعلم أن اسمنا هو التربية ثم التعليم، واللعب هو الوسيلة الداعمة لعملية التعلم وتحويل كل الطاقة السلبية إلى إيجابية».
أكملت الحروب مسيرها في هذه الطريق الصعبة، فنثرت الألعاب في بيتها أولاً ثم في مدرستها، لتصير نموذجاً لمعلمي الصفوف الابتدائية، ولتتوّج هذا كله بالجائزة الأخيرة والكبيرة. ترى أن ما حصلت عليه هو «نوبل للتعليم» بعدما تبارى عليها ثمانية آلاف شخص من أكثر من 140 دولة. أيضاً، فإن قيمتها المادية التي تبلغ مليون دولار، ستتلقاها الحروب على دفعات، وستنفق ما تستطيع منها لتعزيز منهجيتها وتعميمها.
«هل بإمكان المعلم الفلسطيني أن ينافس على مستوى العالم؟»، هذا ما كان يجول في خاطرها حينما تقدمت إلى هذه المسابقة. تقول: «في محيطي كنت أعلم أنني قوية، ولكن ما مدى إقناع العالم بمنهجيتي؟ كنت أنتظر كما غيري من المتقدمين، وحينما علمت أنني من ضمن آخر 50 منافساً زادت ثقتي بمنهجيتي وبإمكانية المنافسة أكثر». وتواصل: «المشاعر تضاعفت حينما أبلغت بأنني من ضمن آخر 10 منافسين على اللقب، وصارت المنافسة أقوى خاصة بوجود نخبة من معلمي العالم، ولكنني استطعت أن أثبت للجنة التقييم وحتى للمعلمين المنافسين مدى نجاعة منهجيتي وتأثيرها في الطلبة المتلقّين، وإمكان استخدامها في مختلف دول العالم».
خلال مراحل التقييم والمنافسة، قابلت الحروب معلمين من دول كثيرة، وفي كل لقاء كانت تجدد إيمانها بمنهجيتها وقوة قصتها وأهمية تسليط الضوء على ما يتعرض له الطلبة هنا من إرهاب بمختلف صوره. تقول: «كل المعلمين كانوا يظهرون إعجاباً غير اعتيادي بما أعرضه. كل واحد فينا نفذ حصة مدرسية أمام لجنة التقييم التي لم يقل عمر أصغر أعضائها عن 40 عاماً! كان الكل معجباً ومؤمناً بالفكرة وقدرتها على إلالهام».
لكن اللقب الذي حملته الحروب، ترى فيه مسؤولية جديدة على حدّ تعبيرها، لأنه سيؤهلها لمقابلة شخصيات عالمية ومؤسسات دولية كثيرة، وهو ما يوجب التركيز على جوانب جديدة. تضيف: «سأتحدث معهم عن كل شيء يعود إلى مصلحة المعلم أولاً، وسأدعم المعلم بكل قوة، لأنه في النهاية سيكون لمصلحة الطالب. الآن أنا سفيرة مؤسّسة فاركي في العالم، ولعل التركيز على المعلم الفلسطيني الآن أولوية، فهو الذي استطاع أن يقدم كل هذا في ظروف كالتي نعيشها».
وبينما توّجت الحروب بلقب أفضل معلم، كان الشارع الفلسطيني يشهد أكبر حراك لمعلمي القطاع الحكومي، تصادف انتهاؤه مع نجاحها. وترى أنها «شاركت باسم المعلم الفلسطيني في جائزة عالمية»، مستدركة: «كلنا نعلم أن راتب المعلم الفلسطيني قليل. كنت أصرف جزءاً كبيراً من راتبي على طلاب صفي وأستخدم إعادة التدوير. استطعت فعل ذلك، لكن غيري من المعلمين لا يستطيعون، خاصة في المدارس الحكومية».
وتذكر هنا مثلاً أن زوجها اشترى لها حاسوباً محمولاً وشاشة عرض لوضعها في أحد الصفوف، إيماناً منه برسالتها وقدرتها على التغيير. كذلك تطالب القيادة (الحكومة) التي هنّأتها، في الوقت الذي ماطلت فيه بالاستجابة للمعلمين، بأن تغيّر النظرة السائدة إلى المعلم في المجتمع. واختتمت بالقول: «أقدم لكم انتصاراً واعترافاً عالمياً بفلسطين».