أقل من 48 ساعة من القتال، ومثلها من الحصار، كانت كافية لكي يتمكن الجيش السوري من تحرير بلدة قارة (نحو 100 كلم عن دمشق شمالاً). البلدة التي تصل القلمون ببادية الشام وحمص، وتُعد البوابة الشمالية الشرقية لسلسلة الجبال المحاذية للحدود اللبنانية ــ السورية، استقطبت أخيراً عدداً كبيراً جداً من المسلحين الذين أتوا لـ«الدفاع عنها»، هؤلاء لم يعودوا قادرين على احتمال خسارة معنوية إضافية، بعد الهزائم التي مُنوا بها في ريفي دمشق وحلب. وعندما حاولوا التعويض، سيطروا على مخازن السلاح قرب بلدة مهين (ريف حمص الجنوبي الشرقي) الواقعة قبالة قارة شرقاً. وكان لقارة دور كبير في انتقال المسلحين من القلمون إلى مهين، للسيطرة على المخازن، ولمحاولة نقل بعض ما فيها من ذخائر وصواريخ. لكن الجيش تمكّن من سد الثغرة التي نفذ منها المسلحون إلى مهين عبر قارة، وحاصر المخازن، مانعاً المعارضين من نقل ما فيها. مرة جديدة، لم يحالف الحظ مسلحي المعارضة، بكافة انتماءاتهم: من «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وصولاً إلى مجموعات تلتقي تحت راية قتال النظام. لم يكسبوا في مهين، وخسروا في قارة.
سرعة تحرير البلدة لم تكن متوقعة. تماماً كما جرى في بلدة حجّيرة (جنوب دمشق) قبل أيام. كان الجيش يتوقع معركة طويلة، بسبب كثرة عدد المسلحين الذين لا ينقصهم سلاح ولا ذخيرة، وطريق الإمداد مفتوحة أمامهم. لكنهم اختاروها طريقاً للهرب. وبحسب مصادر عسكرية، لم يكن الجيش ينوي خوض معركة في القلمون في الوقت الحالي. وقال مصدر سوري رسمي لـ«الأخبار» إن «المجريات التي حصلت في مهين هي التي ساهمت في بدء المعركة في قارة». وأضاف أن «وصول المسلحين الى مهين حتّم على الجيش ان يتخلّص منهم في قارة، لمنعهم من التمدد في ريف حمص الجنوبي، وبهدف حماية الطريق الدولي الذي يصل بين دمشق وحمص». وقالت المصادر إن البحث يتركز الآن حول إمكان استغلال تراجع المسلحين واستكمال المعركة في بلدات القلمون الأخرى، وخصوصاً منها تلك القريبة من طريق دمشق ــ حمص، او الاكتفاء بإبعاد خطر مجموعات المعارضة عن الطريق الدولية.
وأعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة ان إحكام السيطرة على قارة يسهم في قطع خطوط الامداد والمعابر الممتدة حتى الحدود مع لبنان وإغلاق البوابة الشرقية للقلمون باتجاه المنطقة الوسطى، ويحدّ من تسلّل الارهابيين وتهريب السلاح الى الداخل السوري.
إعلان خبر سيطرة الجيش على قارة جاء عبر وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا». المؤشر الأول على صحّة الخبر، بالنسبة للمعارضة، هو إغلاق «التنسيقية» الرئيسية لبلدة قارة على موقع «فايسبوك»، والتي كانت تنشر أخبار المعارك أولاً بأول. في حين، نفت «تنسيقيات» عدة ذلك، مشدّدة على ان «المجاهدين صامدون ويقاتلون». على عكس ما أعلن مصدر رسمي لوكالة «سانا» عن تدمير كل مقار المسلحين، والبدء بتفكيك عشرات العبوات الناسفة التي زرعت في أحياء المدينة ومنازلها. وأكّد مصدر عسكري ميداني لـ«الأخبار» أن الجيش فكّك 70 عبوةً ناسفة يصل وزنها الى 250 كيلوغراما، و 13 لغماً، بينها 5 مضادة للدبابات. كما أعلن العثور على عشرات القتلى المسلحين التابعين لـ«جبهة النصرة» و«جيش الاسلام». ويقول نازحون إن السفر بين دمشق وحمص بات آمناً عبر بلدة دير عطية بتغطية من عناصر الجيش الذين أعادوا فتح الطريق الذي يمر من قاره مع ساعات المساء الاولى.
وروى أحد النازحين من قارة إلى دير عطية المجاورة، كيف خرج مع عائلته بعد ساعات من إنذار الجيش للمدنيين بضرورة إخلائها. وقال أن معظم المسلّحين في المنطقة «غير سوريين ولا يهمّهم إن قصف النظام البلدة وبيوتها».
كثيرون نزحوا إلى دير عطية بدل التوجّه الى لبنان. من ليس له قريب في البلدة الهادئة، فتِح له باب الجامع والمدرسة. معظم النازحين هربوا من دون حاجياتهم، لا ملابس ولا طعام. وقال أحد النازحين لـ«الأخبار» ان «الاستياء كبير من سقوط البلدة بعد أربعة أيام من حصارها، إذ سئم الناس المسرحية المتكررة التي تجعل مسلّحي المعارضة يتوارون بين المدنيين»، مضيفا و«عند قرارهم بالانسحاب يتذرّعون بحماية السكّان، وتوفير الدمار والدم على البلدات التي يتسبّبون بتسويتها بالأرض، بل ويساهمون بخرابها وسرقتها أيضاً». ولفت الى أن عناصر «الجيش الحر» من أبناء قارة «لم يتحرّكوا إزاء الحال التي وصلت إليها البلدة، تاركين الساحة لـ«الجبهة» و«داعش» تعيثان فساداً وقتلاً بحجة تطبيق الشريعة».

لافروف: الأولوية لمكافحة الإرهاب

سياسياً، أعلنت روسيا، أمس، خلال مباحثات مع نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد ومسؤولين سوريين آخرين، ان وضع حد لأنشطة «الارهابيين» الذين يقاتلون في سوريا يجب ان يتصدّر جدول اعمال مؤتمر السلام في «جنيف 2». وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «بدأت الاغلبية الساحقة من شركائنا تدرك أن محاربة الارهابيين اينما أطلوا برؤوسهم، وليس تغيير النظم الحاكمة، هو اولويتنا المشتركة بلا تحفظ»، مضيفاً: «نعتقد ان هذا يجب ان يكون من بين الموضوعات الرئيسية على جدول اعمال المؤتمر الدولي». كما دعا دمشق الى بدء العمل مع «جماعات المعارضة المعتدلة للاتفاق على سبل محاربة الارهابيين الذين يحاولون الاستيلاء على السلطة». وقال لافروف إن «الجانب الروسي أجرى مؤخرا مباحثات مع ممثلين عن المعارضة السورية وبينهم ممثلو الائتلاف الوطني المعارض»، مشيرا إلى أن «الائتلاف بدأ يظهر واقعية أكثر في مواقف». من جهة أخرى، قال نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان إثر لقاء مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والمقداد في موسكو، انه «يبدو اننا نقترب من عقد مؤتمر جنيف».