لن تعرف بلدة مهين إن كنتَ قد زرتَها من قبل. لا حجر على حجر على أرضها التعسة. دمار هائل يوحي بضراوة المعارك التي دارت في ساحاتها الصحراوية. خرج مسلّحو المعارضة منها على عجل. تركوا بقايا طعامهم، وثيابهم. و«نسوا» بعض سلاحهم وجثثاً لرفاقهم، بعدما اقترب مقاتلو الدفاع الوطني من الحزمة الأولى والثانية لجبل مهين الكبير، بتغطية نارية كثيفة من الجيش الذي أشعل الجبل بمدفعيته، بالمشاركة مع نيران سلاح الجو.
تحت وطأة نيران الجيش انسحب المسلحون من مهين باتجاه بلدة القريتين شرقاً. خسائرهم قُدّرت بإصابات مباشرة في 15 سيارة رباعية الدفع بأسلحتها وركّابها، فيما قُدّرت خسائر الجيش خلال العملية التي استمرّت أياماً، بأكثر من 60 إصابة.
ونشر معارضون على مواقع «التنسيقيات» صوراً لمسلحين من «جبهة النصرة» قتلوا خلال عملية نقل الاسلحة التي استولوا عليها عبر الشاحنات، ومن بينهم الإماراتي جاسم الشحي، الملقب بـ«أبو صهيب الإماراتي». وكانت عائلة الشحي قد أعلنت في شهر آب الماضي أنها فقدت ابنها في ظروف غامضة في مدينة إسطنبول في تركيا.
أول ما يتبادر إلى الذهن لدى لقاء أي من كبار العسكريين في المنطقة هو حال مستودعات الذخيرة التي لا يزال المسلحون ينشرون صوراً جديدة لهم فيها. الاقتراب من المستودعات ممنوع. لا أحد يجيب عن أي سؤال بشأنها. الإجابة الوحيدة التي يمكن الحصول عليها من أحد العسكريين هي أن قوات الجيش السوري تقوم بعملية جرد للذخائر الموجودة داخل المباني، بهدف حصر الخسائر فيها. دقة الخطة العسكرية لم تمنع العسكريين من الاستعجال لإنهاء العملية بنجاح. التعب بادٍ على وجوه الجنود. القتال في المناخ الصحراوي لم يكن سهلاً. النزوح الأبرز من مهين باتجاه القريتين والقلمون. تتقاطع روايات قليلة لسكان مهين مع ما يرويه أهالي صدد عن اجتياح مسلحين يتحدثون العربية الفصحى لمنطقتهم. عملية تمشيط الجيش للمنطقة مستمرة، فيما تجيب معارك القلمون الأخيرة عن مصير خط الإمداد الأهم لمسلحي المعارضة عبر جبل مهين الذي استعاد الجيش السيطرة عليه.
قارة ومعارك القلمون
الكثير من الجدل يجري حول معارك القلمون التي بدأها الجيش، بدءاً بقرية الحميرة شرقي بلدة دير عطية التي يسيطر عليها «جيش الإسلام» المعارض. بدت عملية السيطرة على القرية القريبة من بلدة قارة، شمال هضبة القلمون، سريعة ومُفاجئة. غير أن التقدم في اتجاه الأوتوستراد الدولي بين حمص ودمشق، في الجانب المقابل لبلدة عرسال اللبنانية، لدخول بلدة قارة، كان المفاجأة الأكبر. وفيما يكثر الجدل حول إمكان شنّ معركة شاملة على جميع بلدات القلمون المشتعلة، ترجّح مصادر أهلية في قارة أن محاولة الجيش دخول البلدة جاءت بسبب الخوف على مستودعات قارة للذخيرة، التي تشابه مستودعات مهين في المساحة، مستبعدة أن يوسّع عملياته إلى سائر بلدات الهضبة الخارجة عن سيطرة الدولة، لكن «وجب تأمين المنطقة كي لا يتكرر خطأ مهين الأخير». وعبر وسطاء محليين داخل بلدة قارة، أعلن الجيش نيته اقتحام البلدة بهدف ملاحقة منشقين مطلوبين، ليتم بعدها بدء قصف مواقع للمسلحين في البلدة، وسط نزوح آلاف المدنيين غرباً نحو الحدود اللبنانية. بين المدنيين من أمضى ليلته في العراء بين الجبال، وبعضهم من نزح إلى القلمون رافضاً الخروج من البلاد. ومع طلوع صباح أمس سجّلت إصابات لمدنيين وعسكريين على الأوتوستراد الدولي، ما أدّى إلى إغلاق الطريق عدّة ساعات. الخروج من حمص في اتجاه دمشق بدا مستحيلاً، وسط قنص كثيف من داخل قارة التي تبعد عن دمشق 100 كلم شمالاً. القنص حقق إصابات مباشرة في صفوف عناصر حاجز الجيش السوري وصلت حتى 14 شهيداً. سيارات أوقفها مقتل سائقها، وحالة من الهلع سادت الشارع العريض. سيارة يعود بها سائقها إلى الخلف، ليلتف محاولاً الهرب من رصاص القنّاصين والدوشكا. محاولة الهرب هذه أدت إلى استشهاد راكبَين مدنيين. تقدم الجيش السوري بدباباته على المحورين الشمالي والجنوبي في محاولة للوصول إلى ساحة الخان. عدد قتلى المسلحين تجاوز مئة مسلح، وفق تصريح مصدر عسكري لـ«الأخبار». حالة من الاستياء الشعبي تسود أجواء البلدة، وسط تساؤلات عن ادّعاءات مقاتلي المعارضة بحصولهم على أسلحة نوعية من مستودعات مهين. القصف يتواصل على مواقع المعارضة المسلحة داخل البلدة، في انتظار إعلانها آمنة خلال الساعات المقبلة، بالتزامن مع محاولة تقدّم الجيش برّاً إلى مركزها. وأعلنت المعارضة مقتل «قائد عمليات الجيش الحر» في قارة، سليم بركات.
على صعيد آخر، شهدت دمشق وحمص والمحافظات السورية الجنوبية انقطاعاً في التيار الكهربائي، بسبب استهداف المسلحين محطات رئيسة. وأعلن وزير الكهرباء عماد خميس، أن التيار الكهربائي قطع عن كامل محافظة دمشق وريفها والمحافظات الجنوبية، إضافة إلى محافظة حمص في المنطقة الوسطى. وأرجع خميس في تصريح إلى وكالة «سانا» الاخبارية الانقطاع في المنطقة الجنوبية إلى «تخريب المجموعات الارهابية المسلحة لخطوط التوتر العالي المغذية للمنطقة». وفي موازاة ذلك، قتل 5 مدنيين وجرح أكثر من 14 في دمشق إثر سقوط قذائف هاون أمس على حافلة ركاب في ساحة باب توما، وقرب مدرسة في حي القصاع. وسقطت قذيفتان قرب مدرسة الفاروق بالدويلعة.
وفي حلب، أحكمت وحدات الجيش سيطرتها الكاملة على منطقة المعامل والمحالج الواقعة شرقي مطار النيرب. من ناحية أخرى، أفاد ناشطون أن مسلحين معارضين استهدفوا نقطة تمركز للجيش قرب مطار حلب الدولي، مضيفين أن قصفاً جوياً تعرضت له قرية الشيخ علي في الأتارب (ريف حلب).
الجيش التركي يقتل 3 سوريين
الى ذلك، قتل الجيش التركي ثلاثة سوريين كانوا يحاولون عبور الحدود بين تركيا وسوريا «بصورة غير شرعية ليل السبت ـــ الأحد في منطقة مردين» (جنوب شرق تركيا)، حسبما ذكرت وكالة أنباء «دوغان» التركية. وادّعت الوكالة أن الضحايا الثلاث «قتلوا عندما دخلوا حقل ألغام يفصل بين البلدين، على الرغم من الانذارات التي وجهتها قوات الامن». وقتل الضحايا الثلاث (وهم من الأكراد) بالقرب من نقطة عبور بين نصيبين (تركيا) والقامشلي (شمال سوريا). وهذه المنطقة يستخدمها الأكراد السوريون والأكراد الأتراك للتنقل بين طرفي الحدود، حيث ترتبط العائلات بعلاقات تاريخية عائلية واقتصادية واجتماعية وسياسية. وفي الآونة الأخيرة، بدأت السلطات التركية بناء جدار عازل على الحدود يعترض عليه السكان في نصيبين والقامشلي على السواء.
وفي سياق آخر، وجّه مدّعي عام محكمة أمن الدولة الاردنية تهمة «الالتحاق بتنظيمات إرهابية للقيادي السلفي الجهادي الاردني محمد نجم الملقب بـ«أبو مارية الفلسطيني»، الذي كان قد اعتقل في مطار الملكة علياء الدولي الاسبوع الماضي أثناء قدومه من تركيا، حسبما أفاد مصدر قضائي أردني أمس. وقال المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لوكالة «فرانس برس» إن مدّعي عام أمن الدولة وجّه للموقوف «تهمة مغادرة المملكة بقصد الالتحاق بتنظمات إرهابية وجماعات مسلحة».