في أعقاب مواجهات دامية أوقعت أكثر من 40 قتيلاً في العاصمة الليبية طرابلس، حيث خطف مجهولون أمس نائب رئيس الاستخبارات الليبية مصطفى نوح، ووسط إضراب عام شل المدينة، اقتحم عشرات المتظاهرين من دون عنف، قاعة المؤتمر الوطني العام (أعلى سلطة في ليبيا) للمطالبة برحيل الميليشيات عن العاصمة طرابلس. وقال أحد المتظاهرين «نحن نطالب بقرارات جريئة من المؤتمر لانهاء وجود الميليشيات في العاصمة»، مضيفاً: «جئنا للضغط على المؤتمر من دون عنف».
وتولّت قوات الأمن، التي لم تقاوم دخول أول المتظاهرين، لاحقاً إغلاق المدخل الرئيسي للقاعة، مانعة محتجين آخرين من الدخول.
وكان مسؤول أمني ليبي قد أعلن قبل ساعات أن «نائب رئيس الاستخبارات خُطِف بعيد وصوله الى طرابلس آتياً من رحلة في الخارج»، فيما أكد مصدر في الاستخبارات الليبية «اختفاء» نوح، خلال اتصال مع «فرانس برس».
ويأتي خطف نوح المتحدر من مصراته (شرقي العاصمة) على خلفية توترات بين مجموعات مسلحة من مصراتة وطرابلس غداة مواجهات دامية بين المجموعتين.
وكانت طرابلس قد شهدت الجمعة الماضي اشتباكات بعد تظاهرة سارت للتنديد بميليشيا مصراتة من الثوار السابقين تتحكم في بعض مفاصل العاصمة، وطالبت بخروجها من المدينة، إلاّ أن عناصر الميليشيا التي تتخذ من حي غرغور جنوب طرابلس مقراً، فتحوا النار على المتظاهرين السلميين، ما أدى الى مواجهات مُسلّحة أوقعت أكثر من 40 قتيلاً، في أشد أعمال العنف دموية منذ إطاحة نظام معمر القذافي في تشرين الأول 2011.
ويوم أمس ساد الهدوء الضاحية الشرقية من العاصمة، غداة مواجهات اثر منع مجموعات مسلحة من طرابلس عناصر مجموعة مسلحة من مصراتة من دخول العاصمة.
وقدم مسلحون من مجموعة مصراتة لاحقاً السبت لنجدة رفاقهم.
من ناحيته، دعا رئيس الوزراء الليبي علي زيدان، الى وقف المعارك، مشيراً إلى ان الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تاريخ ليبيا، ولنجاح ثورتها.
وقال زيدان إنه يدعو الى عدم دخول أي قوة على الإطلاق الى طرابلس، مشيراً الى أن ذلك سيكون له تداعيات سلبية وكارثية.
في وقت لاحق، رحبت الحكومة بعودة الهدوء، مؤكدة أن الوضع الأمني في طرابلس «ممتاز.. وتحت السيطرة». وشددت على أن الأجهزة المعنية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية اتخذت كل التدابير الضرورية لتأمين المدينة.
وأثارت هذه المواجهات مخاوف من اندلاع حرب أهلية في بلاد توجد فيها عدة ميليشيات على أساس مناطقي، مثل مجموعة مصراتة، أو على أساس أيديولوجي، مثل جماعة أنصار الشريعة.
في الوقت عينه، أعلن المجلس المحلي لطرابلس (بلدية) إضراباً عاماً لثلاثة أيام في العاصمة «حداداً» وتضامناً مع أسر الضحايا الذين سقطوا الجمعة.
وقبل ذلك، دعا سكان في العاصمة ضاقوا ذرعاً بممارسات الميليشيات الى العصيان المدني، وركزوا حواجز على محاور طرق مهمة وأحرقوا اطارات سيارات.
ففي المدينة القديمة، ووسط طرابلس وضواحي فشلوم وتاجوراء (شرق) وجنزور (غرب) لم تفتح المحال التجارية أبوابها باستثناء بعض المقاهي والمحال لبيع المواد الغذائية، حسب «فرانس برس».
كذلك اغلقت المصارف أبوابها ومعظم المدارس والجامعات رغم تحذير وزارة التربية من ان الحصص الدراسية يجب ان تُستأنف بعد عطلة نهاية الاسبوع (الجمعة والسبت) اي اعتباراً من يوم أمس.
من جهتها، رأت ممثلة منظمة «هيومن رايتس ووتش» لدى ليبيا، حنان صالح، أن «أحداث هذه الأيام الأخيرة... تظهر اتساع الممارسات غير المسؤولة للميليشيات... وعجز الحكومة عن السيطرة عليها».
كما عبّرت الولايات المتحدة عن «قلقها العميق» من هذه المواجهات وحثت «جميع الأطراف على ضبط النفس».
الى ذلك، أعلن متحدث باسم مؤسسة النفط الليبية السبت، أن محتجين من الأمازيغ فكوا اعتصامهم في مجمع الغاز في مليتة (غرب)، الذي تسبب في انقطاع تزويد ايطاليا بالغاز من هذا المجمع. وكانت مجموعة مسلحة من اقلية الامازيغ، التي تطالب بإدراج حقوقها الثقافية والاتنية في الدستور الليبي الجديد، قد اغلقت الاثنين الماضي خط انابيب الغاز «غرين ستريم» الذي يزود ايطاليا.
(أ ف ب، رويترز)