القاهرة | بالأمس جاءت المفاجأة؛ ففي الوقت الذي تبحث فيه الرئاسة والحكومة في مصر عن مخرج سياسي وقانوني للأزمة التي أدخلت نفسها فيها بالنص في الإعلان الدستوري عن قصر مدة فرض الطوارئ على ثلاثة أشهر وعدم جواز تمديدها إلا باستفتاء الشعب، أجبرت أمس محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة المصري الحكومة على إنهاء مدة الطوارئ يوم أمس بدلا من غد الخميس كما سبق أن ذكرت رئاسة الوزراء. ومعروف أن تطبيق قانون الطوارئ للمرة الاولى جرى في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر وبالتحديد في عام 1967، وتم إنهاء حالة الطوارئ في مدة 18 شهراً في عام 1980. إلا ان حادث اغتيال أنور السادات أعاد فرضها إلى أن استمرت طوال فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، 30 عاماً تقريبا. وفي عهد المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية الاولى، قرر هذا المجلس اعلان حالة الطوارئ بعد أحداث السفارة الإسرائيلية في مصر في ايلول 2011، وتم إيقاف العمل بالطوارئ في أيار 2012، وأعادها من جديد الرئيس المعزول محمد مرسي، عندما فرضها على عدد من مدن قناة السويس، وبعد 30 حزيران تم إعلان الطوارئ أيضا، ذاك «الضيف الرخم».
حكم المحكمة جاء ليزيد إرباك الحكومة، خاصة أن جميع التصريحات الحكومية الأخيرة أكدت على أن الحكومة تنوي استصدار حزمة من التشريعات على رأسها قانون التظاهر التي ستعينها على ضبط الشارع والتصدي لمظاهرات الإخوان في موعد غايته اليوم الأربعاء قبل اكتمال مدة فرض الطوارئ.
الحكومة لم تبد أي موقف رسمي من حكم المحكمة واكتفت بالتعليق بأنها تحترم أحكام القضاء وستنفذها دون أن تذكر رسميا هل سيتم إلغاء حظر التجوال ابتداءً من الساعات الأولى لصباح اليوم الأربعاء أم لا. لكن الحسم جاء من ناحية العسكر؛ فبحسب تصريحات نقلتها جريدة «الشروق» في عددها الصادر أول من أمس للواء سيد هاشم المدعي العام العسكري الأسبق، فإن «القوات المسلحة لن تنسحب من الشوارع وستظل لحماية المنشآت الحيوية بالتعاون مع الشرطة بعد انتهاء حالة الطوارئ طبقا لقانون الضبطية القضائية التي أقرها مجلس الشورى إبان عهد الرئيس المعزول محمد مرسي ومنح بها أفراد القوات المسلحة صفة الضبطية القضائية».
وفي الوقت الذي حسم فيه القضاء أمر الطوارئ التي انتهت بالفعل أمس، سادت حالة من التوتر والارتباك بشأن مسألة إنهاء الطوارئ أو تمديدها، كافة الأوساط الحكومية؛ فمن ناحية المستشار الدستوري للرئيس عدلي منصور علي عوض، الأمر متروك لمجلس الوزارء لاتخاذ ما يراه مناسباً، مضيفا أن «الحكومة هي المعنية بوضع الإجراءات التي تمهد لإنهاء حالة الطوارئ، بالانتهاء من قانون التظاهر وإرساله للرئيس لإقراراه وإصدار القرارات التي تراها كفيلة بالسيطرة على الشارع خلال الفترة التي تسبق الاستفتاء على الدستور». ورفض عوض الحديث عن إمكانية إصدار إعلان دستوري مكمّل يمكن الرئيس من مد حالة الطوارئ بدون استفتاء الشعب من عدمه، مشددا على أن «الأمر لا يزال محل نقاش ولم يحسم بعد».
خبراء القانون الدستوري من جانبهم، اعتبروا أن الحكومة دائما ما تورط نفسها وتضع نفسها تحت ضغط اللحظات الأخيرة؛ سبق أن حددت موعد الـ60 يوما لعمل لجنة الخمسين رغم أنها كانت تستطيع ألا تلزم اللجنة بمدة قد يتم تجاوزها، ونفس الأمر فعلته عند النص في الإعلان الدستوري أيضا على إلزامية عدم تمديد مدة الطوارئ أكثر من ثلاثة أشهر إلا بعد استفتاء الشعب. فحسب نائب رئيس مجلس الدولة المستشار محمود ذكي، فإن الحكومة ستتعامل مع الظروف الاستثنائية بالقوانين العادية، مشددا على أن النظام الحالي وضع نفسه في مأزق دستوري وقانوني بتحديد مواعيد محددة في الإعلان الدستوري لإنجاز المرحلة الانتقالية. وأضاف ذكي أن «الحكومة ليس أمامها الآن سوى احترام الإعلان الدستوري الذي قال إن أقصى مدة لفرض حالة الطوارئ هي 3 أشهر ولا يجوز مد حالة الطوارئ الا باستفتاء للشعب، وأن تواجه الوضع الحالي بالقوانين العادية «العقوبات والإجراءات الجنائية» ولا تلجأ للطوارئ لأن لجوءها للطوارئ يعني «براءة جميع المتهمين الذين يتم القبض عليهم وفقا للطوارئ بعد انتهائه».
وأكد ذكي على «صعوبة لجوء النظام الحالي الى الاستفتاء بسبب ما يتطلبه من وقت وتكاليف مالية لا تتحملها ميزانية الدولة». ولفت ذكي الى أن «الحكومة ليس أمامها سوى إصدار قانون التظاهر وتفعيل مواد الإرهاب بقانون العقوبات وتطبيق مقتضى القانون على كل مخالف».