في موقف يذكّر بالتراشق الذي حصل بين رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو والمسؤولين الأميركيين ومن بينهم الرئيس باراك أوباما، نفسه، وكتعبير عن المخاوف الإسرائيلية من جدية التوجه الأميركي لعقد صفقة مع ايران، قال نتنياهو خلال كلمة امام الجمعية العمومية للاتحادات اليهودية في شمال أميركا، «ما يُعرض الآن هو صفقة لا تعيد القدرات الايرانية النووية الى الوراء، في المقابل يتم اعادة نظام العقوبات الى الوراء». ووجه أيضاً رسالة تحذير مُبطنّة بالقول «عندما يصل هذا الى أمن الشعب اليهودي فإنني لن أسكت، هذا لن يحصل في عهدي».
مواقف نتنياهو أتت رداً على وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي أعرب عن عدم ثقته بمعرفة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالشروط التي تُعنى بها الأطراف، «اذ اننا لم نصل اليها بعد».
وأضاف إن هناك الكثير من التخمينات والمفاوضات، رافضاً وصف نتنياهو بأن الصفقة تشكل «اتفاقاً جزئياً، وانما هي خطوة أولى في المسار الذي يهدف الى ايقاف البرنامج النووي في مكانه، بل ربما ارجاعه الى الوراء».
وفي تعبير ينطوي على الاستياء الأميركي من مواقف نتنياهو رد كيري ايضاً بالقول: «نحن لسنا عميان، ولا اعتقد أننا أغبياء، اعتقد أنه يمكننا أن نُقدّر اذا كنا نعمل لمصالحنا ومصالح حلفائنا، مثل اسرائيل، ونحن مصممون على أن يكون هذا اتفاقاً جيداً - أو ألا يكون». في السياق نفسه، رد مصدر أميركي على ادعاءات نتنياهو، بالقول إن الصفقة مع إيران سيئة، مشدداً على أن «الإيرانيين جدّيين، ولكن نحن أيضاً لا نثق بهم».
وأوضح بأن البند الأول على طاولة المباحثات يُعنى بالرقابة الغربية على البرنامج النووي الإيراني، مضيفاً إن «الولايات المتحدة لم تخدع اسرائيل ولم تضللها. بل يحتمل أن تكون اسرائيل اطلعت على المحادثات من جهات أخرى ونشأ تشوش». من جهته، تطرق وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، الى المحادثات في جنيف، بالقول إن «صفقة جنيف التي تبلورت في الأيام الأخيرة بين الدول العظمى والنظام الإيراني هي صفقة سيئة، لأنها تخفف العقوبات بشكل جوهري، ومن جهة اخرى يحتفظ النظام الايراني المتطرف بالخيار العسكري النووي».
وشدد يعلون على الدول العظمى التي تتفاوض مع إيران على أن «المسألة تتعلق بنظام ايراني متطرف، يمارس ويموّل الإرهاب. وبالتالي نحن أمام نظام غير تقليدي سيكون بيده أسلحة غير تقليدية». ودعا الى اغتنام فرصة ان النظام الإيراني يحبو على أطرافه الأربعة بسبب الوضع الاقتصادي.
وضمن سياق السجال بين واشنطن وتل أبيب، أكد مسؤول أميركي رفيع، بحسب صحيفة «معاريف»، ان «مفاقمة العقوبات ضد ايران حالياً يمكن ان يدفع الإيرانيين الى ترك طاولة المفاوضات وتسريع برنامجهم النووي»، مضيفاً إنه في هذه الحالة يمكن ان يؤدي ذلك ايضاً الى تفكك الائتلاف الدولي المشكل من مجموعة 5+1، وستكون بعض هذه الدول قريبة من إيران وستلقي التهمة على الولايات المتحدة بأنها تدفع نحو الحرب ضد ايران من دون اعطاء فرصة للحل الدبلوماسي».
ورفض المسؤول الأميركي مقولة وجود فجوات بين مواقف إسرائيل وأميركا، مؤكداً بأن الأولى تريد اتفاقاً شاملاً، كما ان الولايات المتحدة تريد ذلك، لكن يوجد أيضاً من يؤمن بأنه اذا لم تحقق شيئاً فلا تفعل شيئاً. وأوضح أنه في هذه المسألة يوجد خلاف مع اسرائيل ونحن نفكر بطريقة أخرى. لكن صحيفة «معاريف» لفتت الى المشكلة التي تواجهها الآن اسرائيل، انه «لا يوجد أحد في الإدارة الأميركية اليوم، لا في وزارة الخارجية، ولا في البنتاغون ولا في البيت الأبيض، من يعتقد بأن النووي الايراني يستهدف تنفيذ التهديدات التي سُمِعت في الماضي من قبل الرئيس أحمدي نجاد بازالة اسرائيل». ولفت مسؤول أميركي مشارك في جميع محاولات التوصل الى حلول في الملف النووي الايراني، الى أن أي عملية عسكرية اسرائيلية ستؤدي الى نتيجة مشابهة للاتفاق الدبلوماسي مع إيران، أي تأجيل قدرة ايران على القفز باتجاه انتاج القنبلة لعدة سنوات.
في نفس السياق، حاول السفير الأميركي لدى تل أبيب، دان شابيرو، طمأنة الدلة العبرية بالقول ان الرئيس الأميركي كان واضحاً وقال كلمته بشكل لا يقبل الجدل بأنه لن يسمح نهائياً لايران بامتلاك السلاح النووي واننا «لن نفشل في ذلك».
الى ذلك، واصلت وسائل الإعلام الاسرائيلية مواكبتها للسجال الأميركي الاسرائيلي حول الموقف من الاتفاق مع إيران، مشيرة الى ان الولايات المتحدة تُفضّل اتفاقاً سيئاً على حرب جيدة ضد ايران، حسبما ذكرت «يديعوت أحرونوت» التي أوضحت بأن الأميركيين يضغطون باتجاه التوقيع على اتفاق مع ايران فقط، لأن البديل سيكون هو الحرب.
أما صحيفة «هآرتس» فرأت أن الجمهور الأميركي لا يثق بإيران، لكن بعد هجمة الابتسامات التي شنها الرئيس حسن روحاني، في نهاية المطاف وكما حدث مع سوريا فإنه يفضّل اتفاقاً غير موثوق مع «آيات الله» في ايران على حرب جيدة ضدهم. هذا وركزت صحيفة «هآرتس» على موقف نتنياهو الثابت والمعارض للتسوية مع ايران، مشيرة الى المعارضة التي سيواجهها أوباما من زعماء الجمهوريين في الكونغرس، لكن اضافت بأن العديد منهم سيترددون في احباط المفاوضات مع طهران، بواسطة اقرار عقوبات اضافية، خاصة بعد الضربة التي هزت صورتهم والتي تلقوها إثر تجميد عمل الإدارة قبل شهر تقريباً، وبالتالي لن يتطوع الجمهوريون في اعتراض نشاطات في السياسة الخارجية هي من صلاحيات الإدارة.
ولفتت الصحيفة أيضاً الى أن الجالية اليهودية التي جندها نتنياهو في خطابه أمام الفيدرالية اليهودية، هي الأخرى غير موحدة في موقفها. اذ في الوقت الذي سيقف جزء كبير من المؤسسة اليهودية بقوة خلف مطالب اسرائيل، فان بعض المنظمات اليهودية ستتخذ موقفاً مغايراً، لأن جزءاً منها يرى أن الدفاع عنها يتم من خلال التوصل الى اتفاق مع طهران.