بعد ثلاثة اشهر من المحادثات، وعشية وصول وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى اسرائيل، لم يعد الحديث عن انسداد افق المفاوضات يقتصر على تسريبات اعلامية، بل اعلنه مباشرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، امام مسؤولي حركة «فتح» بالقول انه «ليس هناك اي تقدم في المفاوضات»، مهددا بأن «الربط الذي تجريه اسرائيل بين تحرير المعتقلين وتسريع البناء في المستوطنات سيؤدي الى تفجير المحادثات»، كما اقر به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ضمنا، امام اعضاء كتلة الليكود، بالقول انه لم يلمس اي تغيير في الموقف الفلسطيني منذ عام 1993. في هذه الاجواء المتشائمة حول مآل المفاوضات، بفعل الهوة التي تفصل بين مواقف الطرفين، كشفت «يديعوت احرونوت» بعض التفاصيل التي تقاطعت مع تقارير اخرى حول الخيارات التي باتت امام الإدارة الأميركية لاحداث اختراق في الطريق المسدود الذي ألت اليه المفاوضات. واوضحت «يديعوت» أن «التوافقات المبدئية، في اللقاءات الـ15 التي عقدت حتى الان، تمثلت في أن تُطرح في كل مرة احدى القضايا الجوهرية الست، لكن رغم ذلك لم يجر حتى الان البحث في كل المسائل، بل تركزت معظم المباحثات، وفق الطلب الاسرائيلي، حول المسألة الامنية، اضف الى قضية الحدود والقليل منها تناول المياه».
كذلك كشفت «يديعوت» أن «المسألة الدراماتيكية التي بُحثت كانت قضية القدس»، رغم انها تابعت بأن التفاصيل غير واضحة في هذا المجال، لكن في احدى المداولات جرى الحديث عن منطقة «يكون الوصول اليها مفتوحاً للطرفين »، الا ان خلافات برزت بين المندوبين الاسرائيليين انفسهم في غرفة المفاوضات، وزيرة القضاء تسيبي ليفني والمحامي يتسحاق مولخو، الذي يمثل نتنياهو. وبحسب ما نقلت الصحيفة، «كانت مواقف الممثلين الاسرائيليين متعارضة، ولم يقدما موقفا موحدا، بل انزلقا الى جدالات صغيرة أمام الفلسطينيين . وهذا ما حصل في اللقاء الذي بحث فيه الطرفان مسألة القدس والمنطقة التي يكون فيها وصول الاسرائيليين والفلسطينيين حراً، اذ طالب مولخو بتقليص المنطقة الى الحد الادنى الممكن، اما لفني، فقدمت موقفا أكثر ليبرالية».
اما بخصوص نقطة البداية في المفاوضات، التي كان كل طرف يقدم فيها عرضا ثم يأتي الطرف الاخر في اللقاء التالي مع اسئلة وايضاحات بشأنه، فقد كانت من الجانب الفلسطيني، كما هو متوقع، حدود العام 67 مع تبادل للاراضي. في المقابل، كانت نقطة البدء الاسرائيلية أن تدخل حدود الدولة الفلسطينية ضمن مسار جدار الفصل، مع وجود اسرائيلي في غور الاردن، اضف الى طرح يربط بيت ايل بساغوت ونوكاديم بالكتل الاستيطانية الكبرى، التي تطالب اسرائيل بإبقائها تحت السلطة الاسرائيلية. وكما هي العادة في الكثير من الحالات المشابهة، رفض مكتب وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، التعقيب على مضمون ما كشفته «يديعوت» تحت عنوان التزامها بسرية المفاوضات، أما مكتب نتنياهو، فقد اوضحت جهات رسمية تنتسب اليه أن التقرير صادر عن جهات ترمي الى المس بالمفاوضات.
في السياق، نقلت «هآرتس» عن نتنياهو اقراره الضمني بوصول المفاوضات الى طريق مسدود، عندما أكد امام كتلة الليكود انه «لا يرى اي تغيير في الموقف الفلسطيني منذ عام 1993»، نافيا في الوقت نفسه السعي إلى اتفاق مرحلي، ومشددا على ان الحديث الان يدور حول العكس «التطلع الى تسوية دائمة، كي لا تكون مطالب اخرى لاحقا».
في كل الاحوال، يبدو واضحا أن هذا التباين بين الموقفين الفلسطيني والاسرائيلي الذي يهدد المفاوضات، واصرار كل طرف على ثوابته، يضعان الادارة الاميركية امام احد الخيارات التالية: اما الاقرار بالواقع والاعلان عن فشل المفاوضات، او البحث عن صيغة اتفاق مرحلي، كما لمّحت الى ذلك تقارير اعلامية اسرائيلية سابقة، او بلورة صيغة اقتراح اميركي لفرضه على الاطراف. وهو خيار كشفت عنه رئيسة حزب ميرتس زهافا غلأؤون، لصحيفة «هآرتس»، التي اكدت في تقرير لها أن ادارة باراك اوباما تفكر في عرض اقتراح ـــ خلال شهرين الى ثلاثة اشهر ـــ لإحداث اختراق في الطريق المسدود الذي الت اليه المحاثات.
وأضافت غلأؤون، التي اجرت الاسبوع الماضي محادثات مع عدد من المسؤولين الاميركيين والفلسطينيين والعرب، إن كيري اطلع نتنياهو خلال لقائهما في روما قبل اسبوعين، على نيته طرح مثل هذا الاقتراح، وان الاميركيين معنيون بالانتقال من مرحلة التنسيق بين الطرفين الى مرحلة التدخل الفعال. وسيضعون في كانون الثاني المقبل خطة سياسية جديدة، تتضمن كل القضايا الجوهرية، وتكون على اساس خطوط 67 مع تبادل متفق عليه للاراضي، كما ستتضمن الخطة جدولا زمنيا متدرجا للتطبيق، وستتناول ايضا السلام الاقليمي بحسب مبادرة السلام العربية، وخطة اقتصادية تقوم على الاستثمار بالمليارات في الاقتصاد الفلسطيني».
هذه المعطيات تقاطعت ايضا مع ما نقلته صحيفة «معاريف»، عن مصدر غربي مقرب من المفاوضات، بالقول إن «فكرة بلورة صيغة اميركية للتسوية بين الطرفين، ولدت في اعقاب لقاء كيري مع نتنياهو في روما، الذي كان «بمثابة صحوة، وربما تحطيماً للسذاجة». ويضيف المصدر نفسه، إن الولايات المتحدة «لم تبلور حتى الان ورقة موقف، بل فكرة اولية فقط بدأوا العمل عليها، ومن السابق لاوانه معرفة ما اذا كانت الولايات المتحدة ستنشر وثيقة تعرض فيها مواقفها التي من غير الواضح ماذا ستتضمن». لكن كيري رأى في مؤتمره الصحافي في السعودية، أن التقارير عن خطة سلام اميركية «غير دقيقة»، مشددا على ان الولايات المتحدة ستواصل المسار الحالي للمفاوضات السلمية في الشرق الاوسط، ومشيرا الى انه « ليس هناك في هذه المرحلة خطة اخرى ». اما في تل ابيب، فلم ينف احد تصريحات غلأؤون، بل تناول نتنياهو خلال جلسة لكتلة الليكود المعلومات المتداولة حول الاقتراح الاميركي، بالقول ان اسرائيل ستفحص كل اقتراح يعرض عليها في المفاوضات مع الفلسطينيين. وشدد نتنياهو على ان اسرائيل «لن تقبل أي املاء خارجي، ولن يجدي اي ضغط في هذا المجال». ونقلت «هآرتس» عن مسؤول اسرائيلي رفيع قوله «ان اسرائيل ستكون مستعدة لفحص اي اقتراح يحافظ على المصالح الحيوية لامنها».