القاهرة | «دارت الأيام» وظهر الرئيس المعزول محمد مرسي في نفس المشهد الذي ظهر فيه سلفه الرئيس السابق حسني مبارك بعد تنحيه. عام فقط من الحكم، انتقل بعده مرسي من قصر الرئاسة إلى السجن في قضايا وتهم قتل وتعذيب وإصابة العشرات من المتظاهرين على يد مجموعات إخوانية، في ما يعرف بـ «موقعة الاتحادية». رئيسان لدولة واحدة، لكن التشابهات مختلفة بين محاكمتيهما والوضع النفسي لكل منهما؛ ففيما خرج مرسي على القضاة بمظهر الرجل القوي الرافض شروط القاضي بارتداء ملابس السجن، مع رفاقه من جماعة «الإخوان المسلمين» الأربعة، وأبرزهم عصام العريان ومحمد البلتاجي، الذين رفعوا جميعاً إشارة معتصمي ميدان «رابعة العدوية»، استجاب مبارك لنصائح من حوله بالامتثال أمام قاضيه بالشكل القانوني. بدا حزينا وهزيلا، فيما حمل ابناه مصحفين بيديهما.
مبارك ظل قبل محاكمته يبحث طويلاً عن محام في ظل رفض الجميع حمل هذا الوزر آنذاك، في ما عدا فريد الديب، بينما تطوع العديد من المحامين، سواء من أنصار «الإخوان» أو مناصري شرعية مرسي للمرافعة نيابة عنه.
اختلف تعاطي رجال الأمن ايضاً في معاملة كلا الرئيسين؛ ففيما عومل مرسي ورفاقه بمجرد القبض عليهم، وحتى مثولهم أمام القاضي كمتهمين من قبل جميع رجال الأمن، لم تنطبق القاعدة على مبارك، الذي عومل كرئيس لم يفقد منصبه.
وعقب أولى جلسات محاكمة مرسي، أوضحت أستاذة الطب النفسي في جامعة «عين شمس»، هبة عيسوي، في تحليلها لانفعالات وتصرفات الرئيس المعزول، أنها «كلها تؤكد أنها مدروسة وهدفها توصيل إشارات بعينها، بداية من لحظة الوصول ووقوفه أمام الكاميرات بحجة ضبط ملابسه، رغم أنه من المعروف عنه أنه لا يهتم بشكله وملابسه، ولكنه يريد أن يقف أمام الكاميرات وكأنه ذاهب في زيارة رسمية أو نزهة، لا إلى قاعة محكمة يحاكَم فيها».
وتعقيباً على بعض الشهادات الصحافية ممن حضروا المحاكمة، وبعض المشاهد كعدم الاعتراف بالمحكمة ولا النظام الذي يحاكمه، ورفضه ما سماه الانقلاب العسكري، شددت هبة على أن «رسائل مرسي خلال المحاكمة كانت مباشرة، وكانت ترمي إلى تحدي الدولة الحالية والمحكمة، وتؤكد أنه لا يعترف بها ورافض لها».
وتوضح استاذة الطب النفسي أن تلويحه بإشارة «رابعة›› هي «رسالة تضامن مع أنصاره، وتبرز إدراكه أنه أصبح رمزاً للمقاومة، ولتلك الإشارة، وتحمل أيضاً رسالة مباشرة بأن يستمروا في ما يطلقون عليه أعمال المقاومة والتظاهر وتعطيل المؤسسات وقطع الطرق وربما الاغتيالات».
بدوره رأى استشاري الطب النفسي، الدكتور محمد الرخاوي، أن رفض مرسي ارتداء البدلة البيضاء، وتأكيده أنه الرئيس الشرعي «هي محاولات لإنكار الواقع، وهذه المحاولات لها وظيفتان، الأولى نفسية متمثلة في أنه غير قادر على تحمل ألم الخسارة والفشل. والأخرى وظيفة سياسية متمثلة في محاولة إقناع الأتباع والمؤيدين له بأنه ما زال هناك أمل في استعادة ما خسره، فضلًا عن عدم الاعتراف بما
يجري».
وفي محاولة للمقارنة بين محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي كان مستجيباً للقاضي في المحاكمة واتبع الإجراءات، فيما رفض مرسي في محاكمته اتباع التعليمات، لفت الرخاوي إلى أن «ما فعله مرسي خلال محاكمته له مدلول نفسي، هو نوع من التغييب عن الواقع وعدم رؤية الأمور على حقيقتها».