دخلت العلاقة بين مصر وليبيا في نفق مظلم مع تصاعد الخلافات بين الدولتين في الكواليس والغرف المغلقة، بسبب القضايا الأمنية التي فشلت حكومتا القاهرة وطرابلس في احتوائها، وعدم القدرة على السيطرة على العمليات الإرهابية، إلا أن ذلك لم يوقف المساعي الرسمية لتحسين العلاقات وإعادة سبل التعاون بين البلدين.فعقب زيارة رئيس الوزراء الليبي، علي زيدان، المفاجئة للقاهرة قبل نحو شهرين، بدأت سلسلة من المفاوضات في صورة لجان أمنية لمحاولة الوصول إلى اتفاق لتحسين العلاقة، وإيجاد مناخ جيد يمكن التعامل من خلاله بين حكومتي مصر وليبيا.

وعلمت «الأخبار» من مصادر مصرية مطلعة على ملف التفاوض والعلاقات بين البلدين، أن ليبيا عرضت ورقةً جديدةً للتصالح، وإعادة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي، بعد نوع من التوتر بسبب مساعدة القاهرة لبقايا نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في اللجوء إلى أراضيها، وإجراء مخططات تعتقد الحكومة الليبية أنها تهدف إلى إضعاف الدولة الليبية والقضاء على ثورة «17 فبراير».
ويتضمن الاتفاق خطة دفاع وتأمين مشترك للحدود المصرية الليبية، ومنع عمليات تهريب الأسلحة وبعض المواد المخدرة، مع التزام الجانبين تبادل المعلومات من خلال التعاون بين وزارتي الدفاع.
وأبدى الجانب الليبي خلال المباحثات ترحيبه بإعادة كامل العمالة المصرية إلى سابق عهدها خلال نظام معمر القذافي، وضمان حقوقها في حالة مساندة الحكومة المصرية للمطالب الليبية، فضلاً عن التزامه تزويد مصر بالنفط طبقاً للاتفاق الذي وقع خلال حكم الرئيس المعزول محمد
مرسي.
ولم توافق الدولتان على فتح التأشيرة بينهما، واتُّفق على إرجاء هذه الخطوة لحين ضبط الأوضاع واستقرارها للسيطرة على حركة السفر والحدود بينها.
وأكدت المصادر أن الحكومة المصرية، التي تعرضت قنصليتها في بنغازي للتفجير منذ ثلاثة أشهر، لا تزال تطالب وتؤكد في جميع مراسلاتها على ضرورة حماية المقار الديبلوماسية المصرية، وحماية العمالة المصرية.
وأكدت مصادر ديبلوماسية أن ملف تصدير البترول من ليبيا إلى القاهرة أصبح معلقاً في الوقت الحالي، رغم اتفاق الحكومة السابقة برئاسة هشام قنديل على شراء 30 ألف برميل من النفط الخام الليبي يومياً لمدة عام.
من جانبه، قال خبير مصري متخصص في الشأن الليبي، فضَّل عدم ذكر اسمه لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية، في حديث لـ«للأخبار»، إن العلاقة بين مصر وليبيا خاضعة للمزاج الشخصي والمصالح الضيقة للسياسيين، مشيراً إلى أن الجانب الليبي ينظر إلى علاقته بمصر على نحو استراتيجي طويل المدى على عكس الجانب المصري.
وأوضح الخبير المقيم في ليبيا، الذي شهد ثورة «17 فبراير»، أن القذافي كان يعمل على توتير العلاقات بين الشعبين حين يختلف مع القيادة المصرية، وهذا أيضاً ما يفعله الآن سياسيون ليبيون يخشون من أن يسبب التعاون المصري – الليبي تهديداً لمصالحهم الحزبية الضيقة.
من جانبه، أكد السفير الليبي في القاهرة، محمد جبريل، في حديث لـ«الأخبار» أن العلاقات بين مصر وليبيا ليست اختيارية، إذ لا يمكن تجاهل ما تحتمه الجغرافيا.
وأضاف معلقاً على الإدارة السياسية الجديدة في مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي، إن الحكام يأتون ويذهبون، وهم موظفون لتحقيق مصالح شعوبهم، أما الشعوب فهي باقية.
ورأى جبريل أن هناك تنسيقاً أمنياً بين البلدين لحماية الحدود وضبطها، واتصالات يومية على كافة المستويات للتعاون في جميع المجالات، لافتاً إلى وجود لجنة مصرية أمنية في ليبيا حالياً لتفعيل ما اتُّفق عليه بشأن ضبط الحدود خلال زيارة زيدان للقاهرة أخيراً.
وفي ما يتعلق بضبط الحدود، وهو أحد المطالب المصرية، قال السفير الليبي إن ضبط الحدود هو تحدٍّ كبير أمام القيادة الأمنية في ليبيا، وهمٌّ ليبي قبل أن يكون همّاً لأي دول أخرى، وإن بلاده ملتزمة الاتفاقيات الدولية لضبط الحدود، حيث عقدت اتفاقيات أمنية مع كل دول الجوار واستعانت بخبرات أوروبية لهذا الغرض، مقراً بصعوبة السيطرة على الحدود بسبب عدم وجود قوات أمنية مدربة ومتخصصة في هذا الأمر بعد الثورة.
وأفاد جبريل بأن ملف «أذناب نظام القذافي» كان في مقدمة أجندة رئيس المجلس الانتقالي الليبي، مصطفي عبد الجليل، خلال زيارته للقاهرة، وكذلك في الزيارتين الأخيرتين لزيدان، وذلك لشدة اقتناع القيادة الليبية بخطورة هؤلاء العناصر على الأمن الليبي والعلاقات بين
البلدين.
وكشف جبريل أن «لدى حكومته معلومات تؤكد تورط أولئك العناصر في أعمال عنف في ليبيا وأنهم يتنقلون بين مصر وأوغندا والإمارات، وهي تعتقد أنها تستطيع من خلال الأموال إعادة السيطرة على البلاد مرة أخرى، وأن الثورات في العالم العربي ستنتكس».
وقال السفير الليبي إن الحكومة المصرية وعدت بالتعامل مع هذا الملف بجدية في إطار القانون، مضيفاً أن مصر وعدت بأنها لن تسمح لهؤلاء بتعكير العلاقات أو استخدام الأراضي المصرية كنقطة انطلاق لزعزعة الأمن في ليبيا.