اللاذقية | يرتفع سعر الدولار أمام الليرة السورية، فيرزح المواطن السوري تحت وطأة ارتفاع الأسعار. ينخفض الدولار، فلا يُلمس أثر لأي تحسّن في بلد يتوقف كل شيء فيه على أسعار المحروقات ومواد البناء. حركة النزوح الكبيرة تفرض طلباً إضافياً على البيوت والشقق في المناطق الآمنة، ما يؤدي إلى طمع التجار الذين رفعوا الأسعار نحو أربعة أضعاف عما كانت عليه. وللأزمات قوانينها الخاصة في غياب الحسيب وسلطة الدولة. النازحون كانوا الضحية في الساحل السوري، وكبش المحرقة في مواجهة غلاء الأسعار. فهم الخارجون من مساكنهم المدمرة فوق رؤوسهم، بملابسهم التي يرتدونها، حاملين ما غلا ثمنه، ليعينهم على مواجهة المجهول.
الساحل السوري الذي لم يكن ليضاهي بأسعاره أسواق العقارات في العاصمة إلا صيفاً، بحكم موقعه السياحي الذي يفرضه جمال طبيعته وشاطئه، أصبح أغلى المناطق السورية، حسب ما تفرضه تكاليف الإقامة التي وصلت في الأحياء الراقية الى 75 ألف ليرة سورية (حوالى 440 دولاراً أميركياً) شهرياً. يقول أحمد، أحد المتزوجين حديثاً من أبناء اللاذقية، إنّ استغلال النازحين جاء وبالاً على أبناء المدينة أيضاً، إذ إن اللاذقيين من ذوي الدخل المحدود يضطرون إلى دفع إيجارات عالية كما يدفع النازحون تماماً، ما أدّى إلى تدهور أحوال الجميع. «كان من الممكن إيجاد شقة مفروشة لائقة في اللاذقية بمبلغ 15 ألف ليرة، وشقة غير مفروشة بمبلغ 8 آلاف ليرة شهرياً، ولكن ذلك كان قبل الأزمة السورية»، يضيف. تراوح مبالغ الحصول على شقة محترمة في منطقة «مقبولة»، ما بين 25 ألف ليرة حتى 50 ألفاً شهرياً في كلّ من اللاذقية وطرطوس. ويذكر محمد، وهو صاحب مكتب عقاري في طرطوس، أنّ الطلب على استئجار الشقق السكنية بات كبيراً، والمعروض لا يفي بالحاجة أبداً. ويضيف: «هذا هو سبب رفع إيجار العقارات، ولا سيما مع ما تشهده الأسواق من غلاء عام». وينفي الرجل، كسائر نظرائه في المهنة، طمع أصحاب المكاتب العقارية، مبرّراً ذلك بارتفاع سعر الدولار ومواد البناء والمواد الغذائية، ما يدفع أصحاب البيوت إلى محاولة تعويض خسائرهم ومصاريفهم. ويؤكد عدد من المستأجرين لـ«الأخبار» أنّ بعض البيوت ارتفع إيجارها أكثر من أربعة أضعاف، ليصل إيجار منزل غير مفروش الى عشرين ألف ليرة شهرياً وسط مدينة اللاذقية. «نحن مضطرون لقبول هذا الواقع بانتظار أن نعود إلى مدينتنا»، يروي أحد النازحين الحلبيين في اللاذقية.
وفي حديث مع «الأخبار»، يحلّل الاختصاصي في القوانين التجارية والعقارية عمار يوسف، ظاهرة ارتفاع الإيجارات بقوله: «إن التأثير الاقتصادي لتجار الأزمة أشدّ خطورةًً من المسلحين. والمشكلة تكمن في النازحين المقبلين على الحياة في المدينة الآمنة غير المؤهلة مسبقاً لاستيعاب هذا العدد الهائل من السكان على مدار العام». وبرأي يوسف فإنّ الأسعار لن تنخفض في الوقت الحالي، حتى لو عاد النازحون إلى مناطقهم، إذ إن دماراً كبيراً لحق بمدنهم. والحل الآن، برأيه، هو إعادة الإعمار.
إعادة الإعمار تتطلّب من السوريين شدّ الأحزمة اقتصادياً، والسير وراء الحكومة في سياسة تقشّف لا يعرف أمدها. فالكثير من الشركات الخليجية تحاول شراء العقارات في المدن السورية، تحت ستار رجال أعمال مغتربين ووكلاء سوريين. وسوق الشراء الراكد حالياً يعد نموذجياً لمستثمري المرحلة اللاحقة المتعلقة بإعادة الإعمار، إذ إن كثيرين فقدوا مهنهم ومقارّ إقاماتهم، ما اضطرهم إلى بيع أراضٍ وعقارات بهدف تسديد نفقات إقامتهم المرتفعة، وسط فقدان الأمان الذي يطاردهم من منطقة إلى أُخرى.