دمشق | «أبلغني الجيران أنّ ثمة حركة في منزلي المغلق وأن أشخاصاً غرباء بدأوا بالتردد عليه. وبعد أيام، أبلغوني بأن منزلي اشتراه أحدهم وأن البائع زعم أنه اشترى المنزل مني». هذه قصة أحمد، وهو صاحب منزل في قلب العاصمة. لم يزر الرجل دمشق منذ أكثر من سنتين بسبب الأوضاع الأمنية فيها، لكنه قرّر العودة مرغماً إلى مدينته التي فقدت ملامحها السابقة، والدخول في متاهات المحاكم لاستعادة منزله، ليُصدم بأنه ليس الضحية الأولى لعملية احتيال من هذا النوع، مع احتراق أوراق الملكية وسفر الكثيرين تاركين بيوتهم وأراضيهم.الجهات الحكومية السورية أقرّت بكثرة عمليات التلاعب والغش، واستحدثت لهذه الغاية «نافذة» في إدارة الأحوال المدنية، وربطتها ببوابة إلكترونية مباشرة مع دائرة المصالح العقارية. وذكرت «إدارة الأحوال»، حينها، أنّ هذه الخطوة جاءت لتسريع إجراءات عمليات بيع العقارات، وضمان سلامة المعلومات المدنية منعاً للتزوير وإتاحة المجال لموظفي المصالح العقارية للتدقيق المباشر في بيانات البائع والمشتري، عبر الربط الإلكتروني لإتمام البيع قانونياً. وعزت سبب افتتاح «النافذة» إلى ظهور حالات عدة من انتحال الصفة وتغيير البيانات المدنية.
ويتحدث أحد المحامين عن حالات كثيرة تابع بعضها، وسمع ببعضها الآخر من المحاكم. ويشير إلى أنّ التزوير ازداد اليوم، وأن المستهدفين هم الأغنياء ممن سافروا إلى الخارج وتركوا بيوتهم في مناطق أبو رمانة، والمالكي، والصبورة ويعفور، أو أصحاب المزارع والأراضي في المناطق الساخنة في ريف دمشق كداريا ودوما وسواهما. إذ احترقت الكثير من أوراق الملكية في هذه المناطق، ولم يعد في إمكان أصحابها زيارتها أو الاطلاع على أوضاعها.
ويشير المحامي إلى حالة في منطقة دروشا في ريف دمشق، حيث علم صاحب إحدى المزارع من جيرانه أنّ ثمة غرباء مقيمين في مزرعته، ليكتشف أن ناطور المزرعة قد باعها عبر عقد بيع مزور. ويوضح المحامي، الذي رفض كشف اسمه، في حديث مع «الأخبار»، أنّ طرق الغش عدة، كتزوير وكالة أو عقد بيع، أو، مثلاً، عبر حصول الجاني على «إخراج قيد» من السجلات المدنية، يختم بصورة أخرى، وبعدها ينفذ ضبط بفقدان هوية، ليحصل على هوية جديدة لصاحب العقار مع الصورة الجديدة العائدة إلى شريك آخر للجاني، وبعدها ينفذ وكالة أو عقد بيع ويتصرف وكأنه صاحب العقار. ويشير محام آخر إلى أنّ هذه الجرائم تنفذها عصابات، وهي في بعض الأحيان تطلب «إخراج قيد عقاري» من «الطابو»، ومنها يعرفون رقم العقد التي تمت فيه أي ملكية، ومن ثم يأخذون معلومات تفصيلية عن العقد وصاحبه بعد مراجعة المستودع، وأحياناً يعرفون صاحب العقار، وينفذون عقد بيع وهمي بين طرفين، ثم يرفعون دعوة ويبلغون الشخص صاحب بالدعوة من خلال تبليغ مزور، وفي هذه الحالة لن يأتي صاحب العقار لأنه لم يبلغ أصلاً بالأمر.
هذا الحالة تشبه حالة مواطن يملك منزلاً في منطقة كفرسوسة، وهو مقيم خارج سوريا منذ سنوات عدة، كلف والده الإشراف على عملية إعادة تأهيل البيت وترميمه. وخلال فترة العمل هذه، بلّغت المحكمة الأب بضرورة المراجعة؛ لأن مالك البيت الجديد أقام دعوة عليه لتثبيت عقد البيع، وبعد مراجعة المحكمة اكتشف الأب أنّ التلاعب قد حصل من خلال تزوير البيانات؛ إذ إنّ الجاني، كما يروي المحامي الذي تابع هذه القضية، حصل على معلومات المالك الأساسي من «الطابو» العقاري وأرفقها بصورة شخصية لشخص آخر، وعلى هذا الأساس باع المنزل لشخص ثالث، وأقام دعوى على المالك الأساسي لتثبيت عقد البيع الجديد، ومن حسن حظ المالك الأساسي أن التبليغ وصله وتسلمه الأب، وتمكّن من متابعة القضية واستعادة ملكيته، لكن من خسر في هذه الصفقة كلها هو الشاري الجديد الذي وقع ضحية التلاعب.
وينصح المحامي لتجنب هذا التلاعب، كل شخص بالحصول على إخراج قيد لعقاره بين فترة وأخرى ليعرف إن كان عليه إشارة، ويقترح على مراجعيه الحصول على «كشف اطلاع» دوري لسياراتهم، ووضع «إشارة» على عقاراتهم، أما من يرغب بالشراء فعليه الحصول على إخراج قيد عقاري للعقار الذي يرغب في شرائه، وأن يقارن هوية صاحب العقار مع المعلومات الموجودة في القيد العقاري، ومن الأفضل أن يتأكد من هوية المالك في «النفوس»، وهي خطوة حلت بعد اعتماد النافذة الواحدة.
ومع الخدمة الجديدة، لن يحتاج البائع والمشتري لأي قيد نفوس خاص بالبيع والشراء مع وجود النافذة الواحدة في دائرة المصالح العقارية للحصول على كل المعلومات المدنية بشكل مباشر وإلكتروني. وهذه العملية حظيت بكل الموافقات اللازمة في الأحوال المدنية ووضعت للتنفيذ بانتظار البدء فيها من دائرة المصالح العقارية.
ويرى المحامي أنّ هذه النافذة ستقدم خدمة للحد من التزوير، لكنها لن تنهيه. ويقترح اشتراط احضار بيانات البائع من دائرة «الهجرة والجوازات»، للتأكد من عدم مغادرته للبلاد. كذلك يقترح تنفيذ كشف على العقار لمعرفة إن كان البائع هو صاحب العقار الحقيقي أو لا من خلال سؤال الجيران، مستشهداً بحالات نفذت فيها عمليات بيع لبيوت لا يعرفها البائع على أرض الواقع.