وجها المعارضة السياسية الخارجية والعسكرية في الداخل في موقف لا يحسدان عليه. «الائتلاف» تتنازعه العواصم الإقليمية والغربية، ويخسر ثقة أغلبية الفصائل المسلحة الفاعلة واعترافها، فيما تقف هذه الأخيرة بين نيران الجيش السوري في جنوب سوريا ومنطقتها الوسطى، وتوسّع سيطرة المقاتلين الأكراد من جهة، و«داعش» من جهة أخرى في الشمال. ورأت أبرز المجموعات المقاتلة التي كانت تُحسب على «الجيش السوري الحر» أن المشاركة في مؤتمر «جنيف 2» لحلّ النزاع السوري «خيانة»، عشية وصول الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق بعد زيارته طهران.
وفي بيان باسم 19 مجموعة مسلحة، تلاه أول من أمس، زعيم كتيبة «صقور الشام»، أحمد عيسى الشيخ، اعتبرت المجموعات أنّ «مؤتمر جنيف 2 لم يكن ولن يكون خيار شعبنا ومطلب ثورتنا». وأكدت هذه الفصائل أنّ «أي حل لا ينهي وجود (الرئيس السوري بشار) الأسد بكل أركانه ومرتكزاته العسكرية ومنظومته الأمنية، ولا يقضي بمحاسبة كل من اشترك في ممارسة إرهاب الدولة سيكون حلاً مرفوضاً جملة وتفصيلاًَ». وحذّر البيان من أنّ المؤتمر «حلقة في سلسلة مؤامرات الالتفاف على ثورة الشعب في سوريا وإجهاضها»، وأن المشاركة فيه ستعدّ «متاجرة بدماء شهدائنا وخيانة (...) تستوجب المثول أمام محاكمنا».
ومن الموقّعين: «لواء التوحيد»، «جيش الإسلام»، «أحرار الشام»، «أحفاد الرسول» و«صقور الشام»، وهي أبرز المجموعات المقاتلة المعارضة، خارج إطار «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وهي خليط من قوى محسوبة على كل من السعودية وقطر وتركيا.
وفي تعليق على هذا البيان، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، ألكسي بوشكوف، أنّ الأوصياء الأجانب على المعارضة السورية هم الطرف المهتم بإفشال مؤتمر جنيف. وكتب بوشكوف، أمس، في «تغريدة» على موقع «تويتر»: «19 فصيلاً من المعارضة السورية غير قادرة على العمل من دون مساندة من الخارج ورفضت مؤتمر جنيف 2... مموّلوها يريدون إفشاله».
في موازاة ذلك، وفي إطار جولته الإقليمية تحضيراً لمؤتمر جنيف، يزور الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي دمشق اليوم، بحسب ما أفاد مصدر حكومي سوري وكالة «فرانس برس»، مشيراً إلى أنّ الزيارة «قد تستمر يومين». وكان الدبلوماسي الجزائري قد أعلن أول من أمس، من طهران، أنّ مشاركة إيران في مؤتمر جنيف «أمر طبيعي وضروري».
روحاني: طرد الإرهاب مقدمة للسلام
في هذا الوقت، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال استقباله الإبراهيمي، أمس، إنّ بلاده «ترى أن مواصلة المساعدة الإنسانية ومنع الإرهابيين من دخول سوريا وتدمير الأسلحة الكيميائية وطرد المجموعات الإرهابية، من بين الخطوات الأولى لإرساء سلام دائم في هذا البلد».
وأضاف إن إيران «مستعدة للمساعدة على أي جهد لإعادة الاستقرار في سوريا، سواء في جنيف أو أي جهد آخر». غير أنه شدّد على أن «مستقبل سوريا تحدده أصوات السوريين عبر انتخابات حرة يشارك فيها كل الأطراف».
في المقابل، هاجم «الائتلاف» المعارض الأخضر الإبراهيمي، مشيراً إلى أنّ «إيران هي جزء من المشكلة، وليس جزءاً من الحل».
وقال الناطق الرسمي باسم الائتلاف، لؤي صافي: «الابراهيمي يتكلم بما يشاء، ونحن نذهب بشروطنا؛ لم أستغرب من كلام الإبراهيمي، فهذه ليست المرة الأولى التي يصرّ بها على وجود إيران منذ تسلّمه هذا الملف حتى الآن».
وقال صافي إنّه يستبعد الجلوس مع إيران على طاولة مفاوضات مؤتمر جنيف الثاني، إذ «إن إيران لم تكن في مؤتمر جنيف الأول لكي تكون في الثاني».
في السياق، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، قدري جميل، أنّ مهمة «جنيف 2» هي منع التدخل الخارجي والتأسيس لحوار سوري ـــ سوري بإشراف دولي. وفي حديث إلى قناة «روسيا اليوم»، أول من أمس، قال جميل: «أتكلم من جنيف بصفتي ممثلاً للمعارضة السورية الوطنية في الداخل، وهذا بحد ذاته تقدم مهم». وأضاف إنّ «هناك اليوم حراكاً سياسياً كبيراً، فالمهم الوصول إلى جنيف 2»، مشيراً إلى أنّ «الوضع في المجتمع الدولي قد نضج لوضع حد للتدخل الخارجي وإيقاف العنف وإطلاق العملية السياسية». وشدّد المسؤول السوري على الاستعداد لـ«طرق كل الأبواب» من أجل إيقاف معاناة السوريين وعقد مؤتمر جنيف، قائلاً: «قمنا اليوم باتصالات بأطراف غربية لها علاقة بجنيف. ولدينا اتصالات كثيرة مع أطراف من معارضة الخارج، لكنها لا تأخذ شكلاً رسمياً».
«ضمن المهل»
إلى ذلك، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن سوريا سلّمت برنامج تدمير الترسانة الكيميائية في المهل المحددة. وقالت المنظمة، في بيان أمس، إنّ هذا الإعلان «يتيح وضع الخطط الهادفة إلى تدمير منهجي وكامل، ويمكن التثبت منه للأسلحة الكيميائية المعلنة، إضافة إلى منشآت الإنتاج والتجميع».
وسيستخدم المجلس التنفيذي للمنظمة الإعلان السوري «الأولي» ليحدّد في موعد أقصاه 15 تشرين الثاني مختلف مواعيد تدمير الترسانة السورية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)