الحكاية الماضية، قيّمت الدنيا وما قعدتها على عمكم أبو طلال! الله وكيلكم: من الموالاة ومن المعارضة السورية، الاتنين! وزي ما حكيتلكم بالبداية، إني أنا بدي أحكي عن الكل، وأنا مع كل الفلسطينية وين ما كانوا. وكل بلاد العرب أوطاني، وما في شك. بس والله يا أصحابي وأهلي وناسي وخلاني، أنا لما حكيت عن الوجع جوا المخيم، ما كنت إلا ناقل! بس هالمرة ناقل الكفر، إيه والله طلع كافر.
واللي طالبوني إني لازم أقول عن الحاجز تاع القيادة العامة والجيش اللي مسكر المخيم، مظبوط الحاجز موجود ومسكر المخيم، بس يا جماعة أنا بحكي عن اللي جوا من جميع الجهات، بقول إنهم مسؤولين عن أهلنا الباقيين جوا، وما ببرأ لا اللي برا ولا اللي جوا.
وبدكم المسؤولية بتحملها الحاجز والمسلحين داخل المخيم والأونروا ومنظمة التحرير وفصائل التحالف. منيح هيك؟ رضيتو يا كل الناس؟ بعرف مش رح ترضوا، ما حكينا من قبل إنو بلاد العرب أوطاني... بس والله إحنا ملناش وطن بين هالأوطان. ومن هون بتبدا حكايتي معكم اليوم.
بعد كل هالسنين من التهجير والتعتير، كل ما بلد عربي بولع، منطلع إحنا هالفلسطينية فرق حساب، وورقة للعب السياسي المحترف. لعب بطل يغفل عنو حتى الطفل الفلسطيني اللي بعد شوي بدو يحبي. وعشان فرق الحساب إحنا، منبدا نتهجر: زمان من ليبيا رمى المرحوم القذافي الفلسطينية بالبحر، ولما المرحوم صدام هجم عالكويت، الكويت زتت الفلسطينية براتها، ولما أميركا هجمت عالعراق واحتلتو، كمان الفلسطينية انزتوا عالحدود وقعدوا بالصحرا سنين، بمخيم سموه التنف. وإسا ع اللي بصير بسوريا الناس كمان حملت درب طريقها ومشيت، إشي ع لبنان، وإشي بقلب دمشق وحلب، وإشي (وهدول القصة) ركبوا البحر والموج العالي والمراكب الهدارة، وبوجهم على أوروبا.
ومن وين يا جماعة الخير، من بلاد العرب أوطاني، هي نفسها اللي من الشام لتطوان.
وبما انو هدول هنن القصة اليوم، فاسمعوا قصة أم صلاح واللي صار معها: ابنها الوحيد صلاح قرر يطفش ع السويد متل هالشباب اللي قاعده بتطفش، والطريق ع السويد لازم يمر بمصر، كون الروحة تهريب من البحر، فالاسكندرية كانت هي السبيل، وأهلنا المصرية بدخلوش فلسطيني بين الـ 18 والـ 40، بدون عيلتو: إمه أبوه، زوجته، يعني الجماعة بدهم عيل، بس شب أو صبية لحالهم، ممنوع وبتترجع بنفس الطيارة.
وصلت أم صلاح وابنها ع مطار القاهرة، وهون بديت رحلتهم مع اختبار انهم يكونوا زي باقي قاطني العالم، بقدروا يسافروا ويروحوا وييجوا، ويستقبلهم موظف المطار بابتسامة ترحيب، بالضيوف الأعزاء والأكارم، في «بلدهم الثاني». طبعاً هاي «بلدهم التاني» علقانة ع لسانو، عشان لو بفكر شوي الموظف بتذكر انو فش بلد أول ليكون في ثاني! وطبعاً هو رح يتذكر هالاشي لما بشوف بين ايديه «وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين» وليس «جواز سفر». وع قولة عبدالله حداد المغني الفلسطيني بعد أن قال فيها «أنا من بني يعرب»، «دخلني ع بلدك. «هات فيزا»/ ماهو بلدك بلدي. دخلني ع ارضك. هات فيزا/ ما هو أرضك أرضي، ماهو عرضك عرضي لغتك لغتي، دينك ديني، كلو لأني فلسطيني/ ع كل باب حدود، بشوف بعيني شوفات (..) الترانزيت منلف ومندور، وكل ما وصلنا ع ترانزيت ممنوع المرور (...) دخلوا الجواسيس دخلوا الأباليس /الحق يا مواطن/ الحق يا بوليس/».
وبعد ما صار مع أم صلاح وغيرها، اللي غناه عبدالله حداد، وصلت مع ابنها ع الاسكندرية واتفقت بحربقتها مع مهرب، يوخد 3500 دولار، لحتى يوصل ابنها عبر الأمان ع سواحل إيطاليا، أو سواحل الجنة زي ما كان صلاح يقول لإمو، وزي ما كان هو مفكر، قبل ما المهرب الأصيل يعتدي ع الناس بنص البحر، بدو المصاري، ويسحب هو وجماعتو سكاكين ع «المهاجرين غير الشرعيين» حسب ما بتسميهم وسائل الإعلام! وكان مفكر انو اوروبا جنة قبل ما المصاروة الأشاوس يفتحوا رصاصهم ع السفينة، ويقتلوا من اللاجئين الفارين من رصاص المخيمات وسوريا، شهداء جدد، واللي نفد من الرصاص، متل صلاح واللي كانوا معاه، ما نفدوا من غضب البحر، ولعبة الطقس، والعواصف، وتنديدات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، بس مش عارف تنديد بمين، بركي تنديد بالطبيعة، أنا الحقيقة ما بعرف، واللي عندو علم يخبرنا.
المهم يا جماعة أم صلاح ما لحقت تلقالها بيت تتآوى فيه بمصر، وتفتح التلفزيون، مع تكبيرات عيد الأضحى، لتلاقي السفينة اللي طلع فيها ابنها صلاح، غرقانة، لتصفن هديك الصفنة وهي شايفة جكيت ابنها طافي ع سطح البحر.
وهيك صار صلاح أضحية بالعيد، متلو متل تلات طفلات من عائلة سلامة من مخيم اليرموك.