بينما يخصص الأردن أكثر من معبر دخول بري للإسرائيليين الراغبين في دخول المملكة أو العبور منها إلى فلسطين المحتلة، يلاقي الفلسطينيون بجميع أحوالهم القانونية، من سكان القدس والضفة وغزة، أصناف الإهانة والتأخير على المعابر، وخاصة معبر «الكرامة»، الذي يتوسطه الإسرائيليون. كذلك الحال بالنسبة إلى مطار عمان وباقي المنافذ الحدودية. فإذا لم يكن الفلسطيني يحمل الجواز الأردني برقم وطني، فإن مصيره «السين والجيم»، وقد ينتهي به المطاف إلى الترحيل قسراً من دون شرح الأسباب.
حالات الإرجاع والتحقيق تشي بوجود قرار لمنع دخول الغزيين

يفيد عدد من الطلاب، الذين يحملون جواز السفر الفلسطيني الصادر عن السلطة في رام الله، بأنه لم يُسمح لهم خلال الشهور الماضية بدخول الأردن، برغم أن غالبيتهم كانوا يحملون أوراق «عدم الممانعة»، الصادرة من سفارات المملكة في عدد من الدول. وبرغم أن مصادر أمنية أردنية نفت، في وقت سابق، أن تكون حكومتهم قد منعت دخول الغزيين إلى أراضيها، في الوقت الذي اتخذت إجراءات قانونية جديدة بحق الغزيين اللاجئين في الأردن (راجع العدد ٢٨٠٢ في ١ شباط)، فإن الواقع يثبت عكس ذلك.
ليس عند هذا الحد فقط، بل حتى إن عدداً من سكان الضفة المحتلة ممن غيّروا عناوين إقامتهم إلى رام الله، ولكنهم من مواليد غزة، يجري التعامل معهم بطريقة أمنية مشابهة، ويمنعون من الدخول عبر «الكرامة»، وكذلك من الحصول على «عدم ممانعة»، إلا اذا تدخل ضبّاط تنسيق من الاستخبارات الفلسطينية والأردنية لإعطائهم استثناء للعبور. وبالنسبة إلى الآتين من قطاع غزة، فإن عددهم صار منخفضاً بسبب الإغلاق المتواصل لمعبر رفح، فيما يصل منه الخارجون من خلال معبر «بيت حانون ــ إيريز»، شمالي القطاع، أي بعد فحص إسرائيلي دقيق وموافقة أمنية مسبقة.
أما الآتون عبر المطارات، فإنه يجري التدقيق في هوياتهم وأخذ بصمات عيونهم، ثم إحالتهم على التحقيق. «هكذا تحقيق بلا تهمة وبلا وجه حق»، يقول الطالب (ع. ي)، عن رحلته التي امتدت لأكثر من عشرين ساعة. فبرغم حصوله على دعوة رسمية لحضور أحد المؤتمرات في العاصمة عمان ووجود حجز فندقي وكذلك للطيران، جرى إرجاعه إلى المكان الذي أتى منه بعد جلسة تحقيق «تشعرك بأنك مجرم هارب». يضيف: «دول ودول... ثمة طلاب يأتون من دول على علاقة جيدة بالأردن كألمانيا وبريطانيا ويدخلون بسهولة، ولكن المقيم في بلد لا يُعجب الأردن أمنيا، برغم أنه يعامل مواطنيه بالمثل، لا يتمكن من الدخول».
الأسئلة التي يطرحها ضباط الاستخبارات تراوح ما بين التقليدية، كمكان السكن ونوع الدراسة ومدة الإقامة في البلد الآتي منها الطالب والغرض الذي يريد من أجله دخول الأردن، والاستفسار عن مصدر الدخل وكيف يصرف على نفسه، وصولاً إلى السؤال عن ارتباط تنظيمي بأي من الفصائل الفلسطينية. يضيف الطالب «ي» أنه علم بعد إرجاعه بتكرار الأمر مع كثيرين أخيراً، حصلوا في أحسن الأحوال على إجابة بأنهم ممنوعون من الدخول «لأسباب أمنية»، برغم أن بعضهم لا يتجاوز عمره التاسعة عشرة، ولا تربطه أي علاقة بفصائل فلسطينية.
وإذا قادت متابعة هذه الحالات من منع الدخول إلى نتيجة، فإن ما يجري أكثر من حرص أمني على «سلامة» البلاد، وخاصة أن عدداً ممن منعوا كانوا قد حصلوا على موافقات سابقة من وزارة الداخلية أو سفارات المملكة، وهو بلا شك إكمال لممارسة القهر على الغزيين خصوصاً، في ظل وجود سلطة فلسطينية لا تتابع شؤون رعاياها في مناطق حكمها، وهي أعجز عن حمايتهم، فكيف إذا تعلق الأمر بالأردن، الذي يربط علاقاته بالسلطة، تاريخ حافل بالصدام مع «منظمة التحرير»، انتهاء بالاتفاق على «السلام» مع إسرائيل... وحماية أمنها.