القامشلي | لا يمر يوم من دون أن يتسلل مئات السوريين إلى الأراضي التركية، جراء تصاعد أعمال العنف التي يشهدها البلد المنكوب. وقد تضاعف عدد الفارين من بعض المناطق مع بروز خطر جديد يتمثل في تنامي نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». في رحلة الهروب إلى الشمال، يسلك غالبية السوريين الطرق غير الشرعية، على طول الحدود البالغة نحو 900 كلم، إما لعدم امتلاكهم جوازات سفر، أو حين تغلق السلطات التركية المعابر بين وقت وآخر، أو ربما خشية العبور من منافذ يسيطر عليها تنظيم «داعش». أثناء محاولتهما تخطّي الأسلاك أخيراً، قُتل مواطنان سوريان برصاص جنود أتراك، في حادثين منفصلين عند الحدود. في الأول، قضى شاب من مدينة عامودا في الحسكة برصاص حرس الحدود، خلال محاولته العبور بطريقة غير شرعية. وتزامن ذلك مع مقتل شاب من مدينة خناصر في ريف حلب أثناء تسلله. كذلك قضى طفل بنيران عناصر «الدولة الإسلامية» الثلاثاء الفائت، خلال دخوله إلى تركيا من منطقة أعزاز. ويأتي ذلك بعد مصرع شاب من القامشلي إثر انفجار لغم أرضي في منطقة نصيبين الحدودية.
خلال عبوره الحدود، انهال حرس الحدود بالضرب على ناشط حقوقي سوري، يعمل لدى فريق «مجموعة القانون الدولي والسياسة» الأميركي في مدينة غازي عنتاب التركية. يروي سيروان شيخموس، من المؤسسة الأميركية، أنّ نحو «عشرة جنود أتراك تناوبوا على ضرب زميلي لمدة ربع ساعة». وأضاف، في حديثه الى «الأخبار»: «صادروا حاسوبي الشخصي وثيابي، وكذلك بطاقات شخصية عائدة لمحامين سوريين، قبل أن يلقوني في الأراضي السورية». تأتي هذه الحادثة بعد يومين على نشر صورة شاب سوري، تظهر على جسده آثار التعذيب، قال أحد النشطاء إنّ جنوداً أتراكاً ضربوه قبل أن «يتبوّلوا عليه».
ما سبق يشير إلى أن رحلة العبور الى تركيا لم تعد يسيرة، بل مهمة شاقة لا تخلو من المغامرة، إذ إن هناك نقاطاً محددة تتطلب سيراً لمسافات طويلة. ولا يتردد حرس الحدود أحياناً في إطلاق الرصاص الحي على المتسللين. ويوضح أحد المهربين الذين يعملون قرب مدينة سري كانيه (رأس العين)، أنّ معظم عمليات «إدخال المواطنين» تجري في ساعات الليل. ويروي لـ«الأخبار» أنّ «عمليات قنص المتسللين لا تزال محدودة جداً... لكنّ هناك ضرباً وإهانة». ويضيف: «بعض الضباط يتساهلون وآخرون يستقبلون المتسللين بأساليب عنيفة».
يتقاضى مهرّبو البشر مبالغ مالية تتراوح بين40 و75 دولاراً أميركياً عن الشخص (بحسب صعوبة الرحلة وخطورة الموقع). ويقول «أبو علاء»، وهو مهرّب في ريف الرقة: «لا نستطيع مرافقة الزبائن إلى داخل الأراضي التركية، إنما نسهّل لهم الطريق الذي يختارونه بعد عملية مراقبة دقيقة». ويضيف: «الجندرمة لا يرحمون المهربين... وفي حال اعتقلوا أحدهم، فإنهم ينهالون عليه ضرباً وربما يعتقلونه، خلافاً لتعاملهم مع الزبائن».
ويكشف مهربون أنّ هناك جنوداً أتراكاً يتقاضون مبالغ مالية منهم كرشى لقاء إدخالهم «الزبائن» عبر الحدود، في حين يُسهل آخرون العبور، غير الشرعي، من البوابات الرسمية. ويلفت أيمن محمد، وهو صحافي يعمل في ريف حلب، إلى أنّ «دفع مبلغ 70 ليرة تركية (نحو 37 دولاراً) كرشوة للجمرك التركي، يعدّ بمثابة جواز سفر».
وتصل غالبية المتسللين عبر الحدود في ساعات متأخرة من الليل، ولا يجد هؤلاء سوى المساجد والحدائق العامة لقضاء ليلهم. وأعلنت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية، الاثنين الماضي، أنّ عدد اللاجئين السوريين في تركيا تجاوز 600 ألف، بينهم أكثر من 400 ألف يقيمون خارج مخيمات اللاجئين. ويقيم نحو 200 ألف سوري في 21 مخيماً للاجئين، خاصة قرب مدن تقع على الحدود.
والواقع أن البشر ليسوا إلا جزءاً من «بضاعة» المهربين. في نهاية آب الفائت، أعلنت الحكومة التركية أنّ الجيش ردّ بالنار على هجوم قرب بلدة ريحانلي في محافظة هاتاي الحدودية التركية، عندما حاول نحو ألف شخص يُعتقد أنهم مهربون سوريون (بعضهم على ظهور جياد فيما استقل الباقون عربات)، عبور الحدود إلى تركيا. ويقول مسؤولون أتراك إنّ المهربين «يندسون» بين اللاجئين السوريين للدخول إلى تركيا.
وتشير تقارير إلى مقتل نحو 75 تركياً في أعمال عنف مرتبطة بسوريا. وتخشى حكومة أنقرة من تحركات المجموعات المتطرفة التي عززت مواقعها قرب الحدود. ويلاحظ زائر هذا الشريط الحدودي المتوتر تعزيز الجيش التركي قواته العسكرية على امتداد الحدود.
في موازاة ذلك، تعمل الحكومة حالياً على بناء جدار أسمنتي بين المدن التي يقطنها الأكراد في سوريا وتركيا، وهو ما أحدث حال غضب لدى أكراد البلدين الذين وصفوه بـ«جدار العار». ويقول متابعون إنّ بناء الجدار يحمل غايات سياسية تستهدف مناطق حدودية تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية (YPG) في سوريا، في حين يقول آخرون إنّ الخطوة ترتبط بمسائل أمنية بحتة.
في السياق، تقول مصادر محلية في مدينة جرابلس السورية الحدودية إن «المجلس التركماني» في المدينة «يستدعي نازحين من قرى ذات غالبية تركمانية»، وخصوصاً في ريف حمص، للقدوم إلى جرابلس «بحجة مساعدتهم وإدخالهم إلى تركيا». وتوضح المصادر لـ«الأخبار» أن هذه الخطوة بدأت قبل نحو أربعة أشهر، لكن حتى اللحظة لم يعبر أيٌ منهم إلى تركيا. ويضيف: «هناك نحو 12 ألف تركماني في جرابلس، وبدأ البعض يتخوف من مشروع توطين هؤلاء في جرابلس وريفها».