دمشق - بعد انتظار دام سبع سنوات حتى حصل عليها، ترك حسام ز. وظيفته حارساً ليلياً في إحدى المؤسسات الثقافية، لينضمّ الى صفوف اللجان المسلحة الشعبية. «غابت الشرطة عن الحي، وحضوري مكانها أهم بكثير من الوظيفة»، يقول الشاب، ابن الضيعة الساحلية، الذي يعيش في حي الدحاديل جنوب دمشق، علماً أن راتب التطوع «دفاعاً عن الناس والحارة» يساوي أضعاف الراتب الذي كان يتقاضاه في وظيفته.
بدأ عمل «اللجان الشعبية» في سوريا نهاية 2011. بداية، اقتصرت مشاركة عناصر «اللجان»، الذين كانوا يتسلحون بالعصي، على تفريق التظاهرات الى جانب قوات الأمن، قبل أن تنظمهم الفروع الأمنية بحسب مناطقهم وتوزع عليهم السلاح والبطاقات الأمنية. وقد تبلورت صورتهم في المدن مع ارتفاع وتيرة الصراع المسلح.
وتتطلب هذه المهمة من المتطوعين تفرغاً تاماً، وتشرف على تمويلها جمعيات (وطنية) من صلب النظام مثل «جمعية البستان». فيما يشرف على «اللجان» مكتب الأمن الوطني الذي يرأسه اللواء علي مملوك.
من مكتب الأمن الوطني، تقسّم المناطق إلى قطاعات تابعة للفروع الأمنية في دمشق وريفها. ويتولى كل فرع الإشراف المباشر وتوزيع السلاح على مجموعات من الشبان لتشكيل مجموعات مسلحة تمثل القانون في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة. وتساعد هذه «اللجان» الفروع الأمنية في عمليات الدهم والبحث عن المطلوبين، وتنظم أيضاً عمليات الإيجار في المناطق المتاخمة لخطوط التماس بالتنسيق مع مخاتير الأحياء. ويتقاضى عناصرها الذين يحملون على أكتافهم شارات «حفظ النظام» أو «مكافحة الشغب»، رواتب شهرية تراوح بين 20 ألف ليرة و25 ألفاً، ومميزات اجتماعية وسلطوية مثل تسهيل حصولهم على الغاز والخبز والمازوت. لكن ذلك، بالنسبة إلى إياد عرنة، «أمر ثانوي» بعدما أُحرق محلّه في حي القدم فقرر الانتقام من كل المعارضة والمسلحين، وحمل السلاح مع لجان حيّ الدحاديل. يقول: «اتهموني بأني كنت أضرب المتظاهرين بالعصي، فأحرقوا محلي الذي أعتاش منه إلى جانب وظيفتي الصغيرة، كان ذلك في معركة دمشق في 15 تموز العام الماضي، فقررت الاستقالة من وظيفتي مراقبَ دوام في دائرة حكومية لأستعيد حقي، وانضممت إلى اللجان الشعبية المسلحة».
ولا تخلو «اللجان» من مسلحين «تائبين». الشاب س. ف. أحد هؤلاء. قاتل في صفوف «الجيش الحرّ»، على جبهة القدم والدحاديل، بعد مقتل أحد أقربائه في تظاهرة قبل عام ونصف عام. وأثناء معارك حيّ بيادر نادر جنوب دمشق، وجد، عبر لجان المصالحة الوطنية، طريقاً للتراجع عن حمل السلاح «بعدما يئست من القتال غير المجدي، وبعدما ضاعت الثورة وتحوّلت إلى حرب تدمير». أبلغ الشاب عن بقية عناصر مجموعته المسلحة، فكوفئ بضمه إلى «اللجان الشعبية» وإدراج اسمه في جدول الرواتب.
ترتفع درجة تسليح عناصر «اللجان» بحسب قربهم من المناطق الساخنة. ففي التضامن، مثلاً، تخصص لهم مدافع دوشكا وسيارات مصفحة، فيما ترتفع الرواتب إذا ما تضمّنت المهمة خوض معركة أو اشتباك ضد مسلحي المعارضة الموجودين بأعداد قليلة قرب مناطق موالية، كما في حيّ نسرين الواصل بين التضامن ومخيم اليرموك.
ويعمل في صفوف «اللجان» موظفون يداومون صباحاً في مؤسساتهم، وتقتصر مهماتهم ليلاً على «دوريات حراسة ليلية»، كما يسمّيها عمار غ. الذي يعمل سائقاً نهارياً في إحدى الوزارات. ويوضح: «بعد التهديد الأميركي بشن عدوان على سوريا، أصبح لدى كل مؤسسة حكومية مجموعة من موظفيها متدربة على السلاح».
والى جانب «اللجان الشعبية»، سُجّلت، خصوصاً في حلب، عودة «كتائب البعث» إلى النشاط. وتشترط «الكتائب» على كل راغب في الانضمام اليها أن يكون قد نال درجة «عضو عامل» في الحزب. ويلتحق هؤلاء بدورة «فصائل مسلحة» مدتها شهر، ثم توزعهم الفرق الحزبية للحفاظ على الأمن داخل الأحياء الحساسة والكبيرة التي تؤثر في توازن المدن الكبيرة مثل حي الميدان والزاهرة والشاغور في دمشق. «يدربنا ضباط مختصون على السلاح، وتحاضر فينا قيادات حزبية لتنمية حسّ المسؤولية والتعامل مع المدنيين»، يقول أحمد ب. الذي يعمل في منظمة اتحاد شبيبة الثورة التابعة لحزب البعث، ويضيف: «أنا لست متفرغاً للعمل اليومي مع كتائب البعث، لكن من باب الاستعداد لأي طارئ أجري هذه الدورة». ويشير إلى أن الرواتب هي حافز معظم المنضوين في «اللجان الشعبية»، بينما «في حزبنا ثمة عقيدة واضحة تتمثل بالدفاع عن الوطن من دون مقابل. وأنا لا آخذ راتباً شهرياً لأنني لم أتفرغ تماماً، لكنني أحمي نفسي من أي تهديد بسبب انتمائي الحزبي وموالاتي للنظام».
أما «جيش الدفاع الوطني» الذي شُكّل مطلع السنة الجارية كقوة مؤازرة للجيش، فتختلف مهماته عن مهمات «اللجان» و«الكتائب». «أنا وحيد لأهلي. تطوعت في اللجان فلم أجد دوراً جدياً لي. طلبت من المشرف على قطاع منطقتنا أن يدفع بي إلى جيش الدفاع الوطني»، يروي حاتم صقور، الثلاثيني الذي يخدم على خطوط التماس في جوبر. ويخضع عناصر هذا الجيش، الذي تشرف عليه وزارة الدفاع ويكثر انتشاره في الساحل السوري، لتدريبات مكثفة ودورات عسكرية تمتد شهوراً، ويخدمون في الخطوط الأمامية كما حدث في القصير والغوطة الشرقية وحلب وغيرها.