ريف دمشق - ينطوي اصطلاح «المعارضة المسلّحة» في ريف دمشق على أصناف متنوعة من المسلّحين، يمكن جملها، من حيث البنية والوِجهة السياسية والأيديولوجية ومصادر التمويل، بأربعة رئيسية: التكفيريون من «قاعدة» ومشتقاتها، تنظيمات تابعة لفكر «الإخوان المسلمون»، ثأريون عفويون، لصوص ومجرمون. والأصناف الثلاثة الأولى تشتمل بدورها على حالات أكثر خصوصية، وقد طرأت عليها تحولات عدة خلال الأزمة ساهمت في انتقال بعض المسلحين من تصنيف إلى آخر.
أبرز التنظيمات التكفيرية هي «جبهة النصرة» الذي ينتشر عناصره في شكل رئيسي في عمق الغوطة الشرقية ومخيّم اليرموك ويلدا وبيبلا والحجر الأسود جنوب العاصمة، والمعضمية وداريّا غرباً. والى جانب «النصرة»، تنظيمات صغيرة أخرى، مثل حركة «صقور الشام» و«أحرار الشام» تتوزع في الغوطة الشرقية، ومؤخراً «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» في مخيّم اليرموك.
أما تنظيمات الاخوان فجميعها تبدأ بكلمة «لواء»، مثل «لواء الإسلام» بقيادة زهران علوش، و«أحفاد الرسول» و«الرضوان» و«شهداء الحق»، ومعظمها تعمل في الغوطة الشرقية، وكتائب من«لواء الفرقان» في التضامن، و«جيش المسلمين» و«شهداء دوما» في دوما، وكتيبة «أسود الحق» في مضايا.
وهناك من تسلّح على نحوٍ عفوي، وبأسلحة بدائية في بداية الأحداث، كردّ فعل على عنف بعض أجهزة الأمن ضد التظاهرات، وكحالات ثأريّة ناجمة عن قتل واعتقال، أو نتيجة حملات التخويف الإعلامية المكثّفة. ومعظم هؤلاء انضووا تحت التشكيل الكلاسيكي للمعارضة المسلّحة، «الجيش الحر»، وهم يقدرون بالآلاف.
وإلى جانب كل هذه القوى، تتخصّص بعض الجماعات المسلّحة التي لا تحمل أي مسمّى، بما يسهل حركتها ويقلل من إمكانية استهدافها، بعمليات السلب والنهب والخطف.
التمويل
عند البحث في مصادر تمويل أصناف المعارضة المسلّحة، يتضح دور كلّ منها على الأرض، بمعزل عن العباءة الإيديولوجية التي ترتديها. إذ تعكس هذه الأصناف واقعاً إقليمياً محدّداً، وهو تقاسم الأدوار الوظيفي بين دولتي قطر والسعودية، إذ تدعم الأولى القوى الأكثر تشدّداً، فيما تدعم الثانية القوى التي اختارتها لتمثيل المعارضة المسلّحة في الحراك الدولي حول سوريا، وبالأخص في مؤتمر «جنيف 2». وينعكس هذا الواقع على سلوك المجموعات المسلّحة على الأرض، فمن خلال سلوكها المتشدّد، تجعل القوى التكفيرية من التنظيمات المرتبطة بالإخوان قوىً «معتدلة»، وأكثر قبولاً في أي حل سياسي مرتقب. وليس أدلّ على هذه الحال من التطور الذي نشأ مؤخراً، والذي يتمثّل بسحب مجموعة من التنظيمات المسلّحة، اعترافها بـ«الائتلاف السوري المعارض» بعد موافقته على الذهاب إلى «جنيف 2» من دون شروط، وبالتزامن مع ذلك أُعلن تشكيل ما سمّي «جيش الإسلام»، الممول قطرياً، بحسب مصادر من المعارضة، والذي أعطيت قيادته لمسلحي الإخوان، وتحديداً «لواء الإسلام»، فيما بدا وكأنه تناقض جدّي بين الائتلاف والمسلّحين.
ويقول أبو أحمد القابوني (26 عاماً)، وهو قائد ميداني في «الجيش الحر»، لـ«الأخبار»: «هذه اللعبة ليست بجديدة، وتذكّرنا بما جرى في حلب عند تشكيل الائتلاف. إذ رفضت تنظيمات متشدّدة هناك الاعتراف به، مطالبة بدولة إسلامية في سوريا. لكنها بعد أيام عادت واعترفت به. يومها بدا الائتلاف أحسن السيئين، أما نحن فكان رأينا بأن هذه المهزلة تسيء إلى سمعة الثوار في الدرجة الأولى». وقدم أبو أحمد نبذة عن عمليات تمويل المسلحين: «تشكّلت المجالس العسكرية من الثوار، والمجالس المحلية من التنسيقيات، وكلاهما كان يعتمد في البداية على الائتلاف في تمويله. لاحقاً بدأ الدعم يتراجع مع ظهور تنظيم النصرة وأشباهه، ويتحوّل شيئا فشيئاً إليهم، ولا نرى الائتلاف بريئاً من ذلك، فهو لا يثق بقدرات الثوار بقدر ما يعتمد على الغرب والخليج ممثلين بالنصرة وداعش على الأرض، وألوية الإخوان في الريف». وبحسب تقديرات مقاتلي «الجيش الحر»، فإن الائتلاف مدعوم سعودياً بالدرجة الأولى، إما مباشرة غالباً، أو عبر حلفاء الرياض في لبنان كتيار المستقبل.
أما التنظيمات التكفيرية، فيأتي دعمها أساساً من قطر وتركيا اللتين تعتمدان شبكات خاصة لتوزيع الدعم بينها. وهذه التنظيمات أفضل تجهيزاً من «الجيش الحر» بكثير، وعتادها يصل إلى أرياف دمشق الشرقية، من الأراضي العراقية عبر البادية السورية، وشمالاً عبر الأراضي اللبنانية مروراً بمنطقة القلمون ووادي بردى.
ومن خلال لوحة التمويل، الموزعة بين قطر والسعودية، يخلص متابعون إلى نتيجة مفادها أن التنظيمات التكفيرية الممولة قطرياً تمهد الطريق لخلق توازن جدي، سياسي وعسكري، في ريف دمشق مع تنظيمات الإخوان، في حين يجري تهميش دور «الجيش الحر» في ريف دمشق وإقصاؤه من المشهد. والهدف النهائي هو أن تكون ريف دمشق محافظة «إخوانية» بالكامل على طاولة المفاوضات المفترضة.
الموانع الموضوعية
غالباً ما يدفع تحوّل الدعم المالي من تنظيم مسلّح إلى آخر المسلحين للانتقال إلى التنظيم الأكثر دعماً، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحوّلاً في طبيعة المسلّح وبنيته. يقول أ. بوابيجي، وهو قائد في كتيبة من «الجيش الحر» في منطقة العسالي، لـ«الأخبار»: «توقف الدعم عن كتيبتنا منذ حوالي أربعة أشهر. يومها كان الأميركان يعلنون نيتهم تسليح المعارضة، وعرضوا علينا الدعم عبر صفحة الكتيبة على الفايسبوك، مقابل تقديم بيانات كاملة لهم عنا. نشأ بيننا خلاف حول هذا الطرح. ونتيجة لانقطاع الدعم، وجد بعض المقاتلين في هذا العرض مخرجاً من المشكلة». والنتيجة كانت أن تم رفض العرض،« لكننا انضممنا إلى لواء الإسلام، بشرط الحفاظ على كياننا التنظيمي». ويضيف: «كان ذلك حلاً مؤقتاً لنا ريثما نتجاوز المحنة، وكي لا يصل بنا الأمر إلى حد أكل أوراق الشجر، كما جرى لبعض المسلّحين الذين انقطع عنهم الدعم لأشهر، ناهيك عن نقص الذخيرة الذي يضاعف الخسائر في الأرواح مرات عدة».
ويرى متابعون أن الغرب قرّر زيادة عدد الأجانب بشكل كبير في صفوف المعارضة المسلّحة لتعديل بنيتها نوعياً، فعلى سبيل المثال، أدى انتقال مسلّحين كثر من «الجيش الحر» إلى «جبهة النصرة»، بسبب التحكّم في عمليات التمويل، إلى تغيير سلوك هذا التنظيم في كثير من الحالات، وحوّله إلى ما يشبه «الحر»، فـ«العلاقات بين هؤلاء المسلحين وبين قياداتهم في الجيش الحر لا تزال وثيقة، ووجودهم هناك عدّل الكفة» على ما يؤكد قيادي في «الجيش الحر».