اليرموك ــ عبد الله الخطيبيا خياااا... بكل مكان اسمعوا وعوا:
عشرة أشهر ومخيم اليرموك محاصر. ثلاثة أشهر، من العشرة، والمخيم محاصر حصاراً كاملاً، لا دواء ولا هواء ولا طعام ولا حليب ولا... ووتيرة القصف في تزايد مستمر، وعدد الشهداء والمصابين وصل إلى حدّ أن كل بيت هنا تعرض لإصابة معينة. سبعة أشهر والمخيم محاصر جزئياً، يتلقى يومياً عشرات القذائف والصواريخ، ولم تخمد عزيمة أبنائه. بقوا صامدين داخله، ليس تحدياً للنظام، ولا تأييداً للجيش الحر، بل حفاظ على هوية المخيم وهوية أبنائه، لكنّ أحداً من المتنازعين لم يشأ الفهم. ياخيااا بكل مكان، يا سامعين الصوت: مخيم اليرموك اليوم يقف على مفترق طرق خطر جداً بعد أن قدم المئات من شبابه شهداء، والآلاف جرحى، وآلاف أخرى مهاجرين ونازحين وصامدين.
لقد وصل الموت إلى كل بيت. وانتشرت المجاعة بنحو واسع، وبدأت معالم الأوبئة تلوح في الأفق وأمراض سوء التغذية تنتشر بشكل كبير. وزيادة على كل هذا، اشتدت وتيرة الاشتباكات في الآونة الأخيرة، مع أخبار تنامت إلى الباقين هنا عن نية القيادة العامة اقتحام المخيم، مستخدمة طريقة الأرض المحروقة. هل تعلمون ما يعني ذلك؟ إن أكثر ما يؤلمني هو ثقتي التامة بأن جزءاً من شباب القيادة العامة يقاتل من منطق وطني تام ومخلص، وهم مؤمنون بأنهم... يدافعون عن أهل المخيم.
لكنّ الخطورة في ما سأقوله الآن.
لم تعد القضية قضية المخيم فحسب، بل أصبحت قضية الفلسطيني السوري عموماً.
وأصبحت قضية اللحمة الفلسطينية. إن القتال الدائر الآن على أبواب المخيم يهدد بتفسخ المجتمع الفلسطيني وتقسيمه طولاً وعرضاً، وسيصبح عصيّاً على أي شخص رأب الصدع الذي سينشأ نتيجة نزف الدم المستمر في النسيج الفلسطيني.
كيف يمكن أهل المخيم أن يتعايشوا مجدداً معاً، وهم مقسومون؟ كيف يمكن ضحيةً أن تتأقلم مع فكرة وجود القاتل في المكان عينه؟!
مسلحو الداخل يرفضون دخول مسلحي الخارج، ومسلحو الخارج يرفضون بقاء مسلحي الداخل، وللمسلحين من الطرفين عائلات لا مكان لها سوى المخيم.
«ياخياااااا بكل مكان»، كل المعطيات تشير إلى أن سوريا ماضية في طريق التسوية المفروضة على كافة الأطراف، سواء وافقوا أو لم يوافقوا، بعد أن ينهوا كل ما بقي من عوامل قوة لهذا البلد.
فلماذا نستمر في الإيغال في دمنا؟ ألم يحن الوقت للوقوف وقفة جدية على حقيقة ما يجري؟ ألم يحن الوقت لإيجاد حل يراعي طبيعة المخيم الجغرافية ويراعي الاختلاف الموجود؟
بالنسبة إليّ حان الوقت، لا بل إننا تأخرنا.
المطلوب اليوم مصالحة وطنية حقيقية تشمل كافة أطياف المجتمع الفلسطيني، باستثناء المتورطين بجرائم بحق أبناء شعبنا الفلسطيني والسوري سواء بسواء.
هذا الخطاب ليس خطاب المنتصر ولا خطاب المهزوم.
هذا خطاب العقل؛ لأن النتيجة الطبيعة الآن أو بعد عشرة أعوام، أن نتعايش، فليس بمقدور أحد أن يقضي على الآخر بالمطلق، وتجارب التاريخ حاضرة أمامنا.
البوسنة والهرسك، جنوب أفريقيا، أميركا والهنود... «ياخيااا بكل مكان»، المخيم دون شبابه لا يساوي شيئاً. خسرنا الكثير ولم يبقَ لنا إلا القليل، فإن ذهبوا جميعاً بين شهداء وجرحى ومهاجرين، ذهب المخيم، وانتهى كل شيء.
يا خياااا... أنقذوا من بقي. أهيب بكم أن تنقذوا من بقي.
قد تكون هذه المرة الأخيرة التي أحادثكم فيها.
هنا مخيم اليرموك.