دمشق | يتزامن ارتفاع أسعار المحروقات مع بداية فصل الشتاء الذي أشيع أخيراً أنه سيكون الأشد قساوةً منذ 100 سنة. وهو ما يجب أن يعطي الحكومة دافعاً لتأمين الحد الأدنى من وقود التدفئة (المازوت) للمواطنين الذين يعانون من الضغوط المعيشية والاجتماعية والنفسية، إلى جانب الفقر. ففي محافظة السويداء مثلاً، الآمنة مقارنة بباقي المحافظات، وذات الطقس «المتجمّد» شتاءً، صرّح مسؤولون محليّون بأن مادة المازوت وُزّعت على 55 ألف أسرة، بنسبة 50% من حاجة كل أسرة. وقال مدير فرع المحروقات في المحافظة، المهندس معذى سليقة، «في السابق، كان المازوت يضخّ المادة إلى المحافظة عن طريق أنابيب إلى موقع عريقة، ولكن تم إتلاف الخط نتيجة الأحداث الراهنة». ويضيف «يتم حالياً الشحن من حمص وأحياناً من بانياس وعدرا، وهذا ما سبّب نقصاً في التوريد لبعد المسافة وحاجة الصهريج إلى يومين لتنفيذ طلب واحد، في حين كان ينفذ طلبين في اليوم الواحد، عدا عن المخاطر التي تتعرض لها الصهاريج والسائقون بسبب الاعتداءات».
وتقوم الجهات المختصة بتوزيع المازوت على دفعات منذ بداية فصل الصيف على الأسر السورية، وذلك لتجنّب الاختناقات والطلب المفاجئ على المادة عند بداية فصل الشتاء.
وكانت الحكومة قد رفعت سعر المازوت دورياً حتى بات سعر الليتر الواحد 60 ليرة سورية (الدولار الواحد يعادل رسمياً نحو 175 ليرة سورية)، بينما كان قبل الأزمة بـ 7 ليرات (كان سعر الدولار نحو 50 ليرة سورية قبل الأزمة). وهذا ما يجعل تكلفة التدفئة شتاءً تزداد بنسب كبيرة غير متوازنة مع الدخل الشهري للمواطن. وبحسب بعض الأهالي، فإنّ الأسرة المكونة من 5 أشخاص تحتاج إلى 1000 لير مازوت للتدفئة، أي بقيمة 60 ألف ليرة، وهو ما تعجز عنه معظم الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مع العلم بأنّ متوسط دخل الفرد هو 16 ألف ليرة.
يروي أبو هاني لـ«الأخبار» أنّه «أتت سيارة التوزيع لتعطيني 100 لتر من المازوت ولم أكن أملك ثمنها في تلك اللحظة، ولذلك خسرت فرصة التعبئة في تلك الدفعة. ولذلك، حتى هذه الطريقة في التوزيع تعتمد الحظ؟ إن كان في حوزتك ثمن المازوت تأخذ وإذا لم تمتلك ثمنه لا تأخذ!»، ويصبح لزاماً على المواطن انتظار دوره في جولة جديدة من التوزيع، في وقت يستغلّ فيه «تجار الأزمات» عدم قدرة بعض الأهالي على تعبئة المازوت لعدم امتلاك ثمنه، فتشتريه وتخزنه لتعيد بيعه بالمفرق، وذلك بسعر 100 ليرة لليتر الواحد.
واعتمدت الكثير من العائلات التدفئة على الحطب التي أضرّت بالثروة الحرجية، حيث كانت سبباً في نقص المساحات الخضراء. كذلك تفشّت ظاهرة ضلوع البعض من هؤلاء التجار في احتكار المتاجرة بالخشب وسرقة الأحراج والغابات، حتى بات ثمن الطن الواحد 30 ألف ليرة، علماً بأن الأسرة الواحدة بحاجة إلى نحو 3 أطنان، أي ما يعادل 90 ألف ليرة سورية.
البنزين والكهرباء
أعلنت الحكومة السورية في أوائل الشهر الحالي رفع سعر ليتر البنزين بنسبة 20% ليصل إلى 100 ليرة سورية، ليصبح سعر الصفيحة 2000 ليرة بدلاً من 1600 ليرة.
تتذرع الحكومة بأن سعر البنزين منخفض عن مستوى سعره في الدول المجاورة والسعر العالمي في آن واحد، ما يؤدي إلى تهريبه والاتجار فيه على حساب الدعم الحكومي لهذه المادة. من جهة أخرى، حالت العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد دون قدرة الدعم الحكومي، إلى جانب الظروف التي يمرّ فيها الوطن والمواطن.
وتعتبر هذه الزيادة هي الثالثة التي تطرأ على سعر البنزين الرسمي في سوريا، حيث كانت الحكومة قد رفعت في آذار الماضي سعر الليتر 10 ليرات، أي من 55 ليرة إلى 65 ليرة، ثم عادت لترفعه في أيار الماضي ليبلغ سعر الليتر 80 ليرة.
ولم يقتصر نقص المحروقات على التدفئة والنقل والمواصلات التي باتت سبباً وذريعة لأصحاب السيارات العمومية لتحديد سعر الأجرة حسب ما يحلو لهم، بل تعدّاها ليشمل قطاع الكهرباء الذي كثر تقنينه شتاءً، حتى باتت تكلفة إضاءة الأسرة لبيتها لليلة واحدة في الشتاء الماضي أكثر من 150 ليرة ثمن الشمع الذي احتكره ورفع سعره التجار.
كذلك سبّبت أيضاً عمليات التقنين تعطيل عمل المصانع والمهن التي تعتمد على الكهرباء، وهو ما أدخل هذه المهن في دوامة البحث المستمر عن وسائل توليد الطاقة، ومنها المولدات التي تعمل على المازوت والبنزين.
ولم تسلم هذه المولدات أيضاً من الاحتكار واستغلال الضرورة لاقتنائها، فتضاعفت أسعارها حتى وصلت إلى ما يقارب 25 ألف ليرة، بعدما كانت 3000 ليرة.
وكان وزير الكهرباء عماد خميس قد أوضح سابقاً أن «التقنين في فصل الشتاء يتبع للتحديات التي نواجهها يومياً ويتبع لمسألة تزويد الوقود التي تعاني بدورها من تحديات كالاعتداءات على آبار النفط ووسائل نقل الوقود، الأمر الذي لا يمكن أن ينبئ بوجود استراتيجية ثابتة، وأن قطاع الكهرباء يتكبّد يومياً خسائر مالية تقدر بملايين الليرات نتيجة الأعمال الحربية في مناطق مختلفة، ما يشكل عبئاً مالياً إضافياً على خزانة الدولة».