تونس | في موقف غير مسبوق، طردت النقابات الأمنية أمس الرؤساء الثلاثة من موكب تأبين عنصري الحرس الوطني اللذين سقطا أول من أمس في مدينة قبلاط من محافظة باجة في الشمال الغربي للبلاد (تبعد نحو ستين كيلومتراً عن تونس العاصمة) في مواجهة مع مجموعة ارهابية قال وزير الداخلية لطفي بن جدو، إنها تنتمي لتنظيم أنصار الشريعة المحظور.
وفي الوقت الذي توعّد فيه آمر الحرس الوطني منير الكسيكسي، النقابيين الذين رفعوا شعار ديقاج (إرحل) الذي اشتهرت به الثورة التونسية، ومحاسبتهم قانونياً وإدارياً، أعلنت الأحزاب السياسية مساندتها لجهاز الأمن والجيش الذي يتلقى ضربات موجعة من الحركات الإرهابية في غياب إرادة سياسية حقيقية لمواجهة الإرهاب واقتلاعه من جذوره. اذ تتهم فصائل من المعارضة وخاصة من جبهة الإنقاذ الوطني، السلطة وخصوصاً حركة النهضة والرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي، بعدم الجدية في مواجهة المتطرفين، بل يتهمون «النهضة» بتوفير غطاء أمني وسياسي وقانوني لحماية المتطرفين من التتبع القضائي لاستعمالهم في معركة الانتخابات المقبلة.
وزارة الداخلية أعلنت عن نجاح قوات الجيش والأمن في القضاء على عدد من الإرهابيين الذين كانوا متحصّنين في بيت في مدينة قبلاط. كما أعلنت ان العدد الإجمالي للمجموعة الإرهابية يصل الى العشرين.
وقد تم القبض على عدد منهم، وطالبت وسائل الإعلام بالحذر والتكتم على المعلومات الى حين انتهاء العملية الواسعة التي تقوم بها قوات الأمن للقضاء على هذه المجموعة المسلحة التي تم الانتباه اليها صدفة.
حادثة قبلاط التي سقط فيها ضحيتان من الأمن، أثارت الذعر في الشارع التونسي اذ اعتبر محللون أنها دليل على اقتراب الإرهاب من العاصمة والتجمعات السكنية الكبرى، سيما بعد اعلان وزير الداخلية عن وجود مخاوف جدية من حدوث تفجيرات واغتيالات سياسية جديدة ودعوته للمواطنين توخي الحذر والابلاغ عن اي شيء مشبوه او مشكوك فيه.
وما زاد في ذعر التونسيين تزامن حادثة قبلاط التي لم تُحسم الى حدود مساء أمس، مع هجمات مسلحة ضد مراكز أمنية في محافظتي جندوبة والقصرين على الحدود الجزائرية التونسية؛ فقد نفذت الجماعات الارهابية المسلحة هجمات في ثلاث محافظات مختلفة على الحدود الجزائرية.
الهجوم الاول كان في مدينة غار الدماء من محافظة جندوبة واستهدف النقطة الأمنية «الملة» الحدودية مع الجزائر، اذ اطلق سبعة مسلحين النار على عناصر الحرس الوطني. في نفس الوقت قامت مجموعة أخرى بالهجوم على المركز الحدودي «فج حسين» وتبادلوا اطلاق النار مع قوات الأمن قبل أن ينسحبوا من المكان.
كذلك قامت المجموعات المسلحة بهجوم على دوريتين للحرس الوطني في جبل سمامة قريباً من مدينة القصرين استُخدِمت فيه اسلحة رشاشة من نوع الكلاشنكوف. واختتمت المجموعات المسلحة هجومها على قوات الأمن بحادثة قبلاط.
وتم العثور على أكثر من ٥٠٠ كيلوغرام من مواد لصنع المتفجرات وكمية كبيرة من السلاح.
هذا التطور النوعي في العمليات العسكرية للمجموعات الإرهابية يؤكد ان المتطرفين أصبحوا يتحركون براحة كبيرة، بينما امتلكوا القدرة على المباغتة والانسحاب في وقت قياسي، وهو ما يستدعي حسب خبراء أمنيين، ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية باقتلاع الإرهاب من جذوره، لا سيما في ظل وجود مخاطر حقيقية على الحدود الجنوبية مع ليبيا.
هذه الحادثة المؤسفة استغلتها احزاب الترويكا الثلاثة للمطالبة برص الصفوف تحت شعار «الوحدة الوطنية» لمكافحة الإرهاب. وهو ما رفضته المعارضة التي جددت تمسكها برحيل الحكومة التي اثبتت فشلها في إدارة كل الملفات ومن بينها ملف الإرهاب والأمن. ودعت جبهة الإنقاذ الوطني، التي تضم اهم الأحزاب المعارضة للترويكا الحاكمة من اليمين واليسار، الى تظاهرة مليونية يوم ٢٤ تشرين اول في شارع الحبيب بورقيبة في الذكرى الثانية للانتخابات التي قادت حركة النهضة وحليفيها «المؤتمر» و«التكتل» الى الحكم.
وتعتَبر المعارضة ان الترويكا فاقدة لأي شرعية بعد انقضاء عامين لم تحقق فيهما اي مكسب للبلاد، بل دمرتها وقادتها نحو الإفلاس والانهيار الأمني.
وفي موازاة المواجهات بين قوات الجيش والأمن والمتطرفين لا يزال الحوار الوطني متعثّراً بعد أسبوعين من انطلاقه، اذ لم يتم الى حد الآن الاتفاق على أي شيء، وهو ما يرجّح فشل الحوار وغياب اي إمكانية للتوافق الذي اعتبره محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، الشرط الوحيد للخروج من المآزق الاقتصادية التي تهدد البلاد بالإفلاس.
وأكد خبراء في مجال المصارف ان الدولة ستكون عاجزة مع نهاية العام الحالي عن دفع أجور الموظفين، فضلاً عن التزاماتها الاخرى في الاستثمار ومع الدول المانحة. فهل يعني هذا فشل مشروع الانتقال الديموقراطي في تونس المفتوحة على كل الاحتمالات؟