على خط مواز للدور الذي تؤديه روسيا في الساحة السورية، تخطط موسكو لتعزيز العلاقات مع النظام المصري الجديد، في ظل تدهور علاقاته مع واشنطن، وخصوصاً بعدما قررت الأخيرة تجميد مساعداتها العسكرية للقاهرة.
هذا ما اشارت اليه صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، التي اضافت انه بالرغم من ان المساعدات الروسية ليست بنفس حجم المساعدة الاميركية، لكن الروس مصممون على تعزيز مكانتهم في المنطقة من بوابة مصر، ومستعدون لاستثمار الكثير من الجهود والموارد، من اجل تحقيق ذلك.
ووضعت «معاريف»، التي ذكّرت بالمساعدة الروسية لمصر خلال الحرب الباردة، السياسة الروسية هذه في سياق مسار شامل يهدف الى اعادة تأسيس مكانتها في الشرق الأوسط، والركيزة الأساسية في سياق مناورتها السياسية تتمحور حول مصر.
وفي سياق متصل، نقلت الصحيفة نفسها عن مدير شعبة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الروسية، سيرغي فيرشينين، خلال زيارته اسرائيل الاسبوع الماضي، تحذيره من تدهور الاقتصاد المصري اذا لم تتلق مساعدات بديلة من المساعدات التي جمّدتها الولايات المتحدة، وانه عبّر عن خشية من ان يؤدي ذلك الى مزيد من عدم الاستقرار.
وأضافت أيضاً أن الضيف الروسي اكد للمسؤولين الاسرائيليين أن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيصل الى القاهرة في الفترة القريبة، وتحدث عن نيته تعزيز التعاون الروسي المصري. مع ذلك، اكد فيرشينين، وفق «معاريف»، ان موسكو تفهم أنها لن تستطيع العودة الى ما كانت عليه العلاقات مع مصر في فترة الاتحاد السوفياتي، مشيراً بالتحديد إلى الدور الذي أدته في بناء سد أسوان خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وفي ما يتعلق بالموقف الاسرائيلي، أوضحت «معاريف» أنهم في تل ابيب لديهم خشية معينة من عودة روسيا الى الساحة بكامل اندفاعها، لكن الصحيفة العبرية اضافت أن الروس أوضحوا أن علاقاتهم مع اسرائيل لن تتضرر، على الأقل في مجال واحد، هو التعاون الاقتصادي الذي توليه موسكو أهمية كبيرة.
في الإطار نفسه، ذكر السفير الاسرائيلي السابق لدى روسيا، تسافي ماغن، في مقالة له في «معاريف»، انه منذ بداية «الربيع العربي» تدير روسيا عملية التفاف على الشرق الأوسط في مواجهة ضغط الدول السنيّة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، التي تريد اخراجها من المنطقة، وفي مواجهة تنامي التهديد الاسلامي الذي يشكل خطراً على روسيا مباشرة في اراضيها.
ولفت الى أن الكرملين يدافع في المقابل، عن المحور المعادي للغرب في المنطقة، والذي يضم ايران وسوريا وحزب الله.
وأضاف ماغين أن الأزمة في سوريا، التي تشكّل ذخراً استراتيجياً لروسيا، استغلها الكرملين كساحة مواجهة من أجل تحدي الغرب، الذي حقق العديد من الانجازات. لكن ماغين رأى ايضاً أن الانجاز الروسي في سوريا لا يضمن بقاء روسيا لاعباً مؤثراً في مستقبل الشرق الأوسط، مشيراً الى انها تجد نفسها خارج عملية التسوية على المسار الفلسطيني. وبدرجة لا تقل خطورة وضعها في الشأن الإيراني، التي يبدو أنها تغير اولوياتها الاستراتيجية وتتوجه الى الغرب.
ولجهة التوجه الايراني، لفت ماغين الى أن روسيا شخصت هذا المسار، قبل الآخرين، وعملت على كبحه، مشيراً الى أنه منذ تولي حسن روحاني منصبه، حاول الرئيس فلاديمير بوتين أكثر من مرة زيارة ايران، غير انه حتى الآن لم يتحقق ذلك.
وأضاف أن اقتراحات روسيا بتزويد طهران منظومات صواريخ «أس أس 300» ومفاعل نووي جديد، لم تجدِ، حيث بدأ الايرانيون حواراً مع الغرب.
إلى ذلك، رأى ماغين أن تصريحات بوتين حول ضرورة تفكيك الأسلحة النووية الاسرائيلية، تهدف الى انقاذ مكانتها إزاء الإيرانيين. وبالرغم من أن مواقف بوتين لا تعبّر عن تغيير في السياسة الروسية، كما يرى ماغين، إلا ان الأمور لم يسبق ان وصلت الى هذا الحد اللاذع، الذي يعكس استعداداً للمسّ بالعلاقات مع اسرائيل. ولفت إلى ان هذا المسار يهدف الى ايجاد ربط بين النووي الاسرائيلي والايراني، والى تشجيع طهران على عدم فتح حوار مباشر مع الغرب، ومنح روسيا مكانة الوسيط.
ايضاً، رأى ماغين ان روسيا شعرت بأن الولايات المتحدة تفقد مكانتها الدولية، الأمر الذي يشكل نافذة فرصة بالنسبة إليها، غير انه في الواقع، بالرغم من الانجاز الروسي في قضية الكيميائي، في سوريا، الا ان روسيا ما زالت بعيدة عن تحقيق انجازات فعلية في بقية الشرق الاوسط، وفي هذا الاطار تعمل على تحصين علاقاتها بشكل خاص مع مصر، ومع دول الخليج وعلى رأسها السعودية، ومع الاردن والعراق.
اما لجهة اسرائيل، فأكد ماغين ان اسرائيل تعتبر بنظر روسيا دولة هامة في ما يتعلق بمصالحها في المنطقة، وستبقى هدفاً للسياسة الروسية.
ومن الممكن الافتراض، انه على الرغم من موقف بوتين بخصوص النووي الاسرائيلي، الا ان الامور ستبقى في الاطار الاعلاني فقط، من اجل عدم المس بالعلاقات مع تل ابيب. وتابع أنه على الرغم من السخاء الروسي، لكن طهران تخلت عن ذلك لمصلحة الحوار مع الغرب.